آخر الأخبار


عيد ميلاد ملايين العراقيين .. تعرف على سر الأول من تموز

  • A+
  • A-

 الديرة - الرمادي


في الأول من تموز/يوليو من كل عام، تعج البيوت العراقية بالاحتفالات بعيد ميلاد الآباء والأجداد، ويصادف أن يكون هذا التاريخ يوم الميلاد “الرسمي” المسجل لملايين العراقيين. لكن الغرابة لا تكمن في الاحتفال، بل في أن معظم هؤلاء لم يولدوا فعلاً في هذا اليوم.


القصة تبدأ من تعداد 1957

تعود جذور هذه الظاهرة الفريدة إلى التعداد السكاني الذي أجرته الحكومة العراقية في 2 تشرين الأول/أكتوبر عام 1957، والذي أُشرف عليه من قِبل خبراء دوليين واعتُبر خطوة متقدمة في تسجيل السكان. لكن القائمين على التعداد واجهوا مشكلة كبيرة: ملايين العراقيين لم يكونوا مسجلين رسميًا في سجلات الولادة، ولا يعرفون تواريخ ميلادهم بدقة.


ولحل هذه المعضلة، قررت الحكومة آنذاك اعتبار الأول من تموز تاريخ الميلاد الرسمي لأي شخص لم يُسجل يوم ولادته. فتمت إضافة هذا التاريخ في سجلات “النفوس” بناءً على المادة 17 من قانون الأحوال المدنية لعام 1957، بشرط ألا يتعارض مع واقعات أو تواريخ الوالدين.



مواليد بلا تواريخ


قبل عام 1957، لم يكن تسجيل المواليد أولوية لدى العائلات العراقية، خصوصًا في القرى والأرياف. وكانت أغلب الولادات تتم داخل البيوت، ولا تُسجل إلا عندما يحتاج الطفل إلى “الجنسية” لغرض دخول المدرسة أو عند بلوغه سن الخدمة العسكرية.


وغالبًا ما اعتمد الناس في تقدير عمر الطفل على الحوادث الكبرى، مثل “سنة الجراد”، أو “عام ثورة العشرين”، أو “سنة التموين”. وكان التقدير يتم شفهيًا من قِبل الآباء، المختار، أو حتى الطبيب، دون وجود وثائق رسمية.



طرائف ومواقف محرجة


تسببت هذه الظاهرة في مواقف طريفة وحتى محرجة على الصعيد الدولي. ففي إحدى زيارات وفد عراقي رسمي إلى دولة أجنبية في تسعينيات القرن الماضي، تم توقيفهم في المطار بسبب “الاشتباه بتزوير جوازات السفر”، إذ كان جميع أعضاء الوفد من مواليد 1 تموز! ولم تُحل المشكلة إلا بعد تدخل السفارة العراقية وتوضيح القصة للسلطات.



تواريخ تتغير… وتتمدد!


لاحقًا، اشتكى العديد من الموظفين العراقيين من أن اعتماد 1 تموز يظلمهم وظيفيًا، إذ يعني التقاعد في منتصف السنة. لذلك، أُقر تعديل في قانون التقاعد عام 1978، يتيح للوزير تعديل تاريخ الميلاد إلى 31 كانون الأول، وهو ما تكرر في قانون التقاعد رقم 9 لسنة 2014.


لكن مع صدور قانون البطاقة الوطنية الموحدة عام 2016، لم يُعد من صلاحيات موظفي الأحوال المدنية تحديد اليوم والشهر تلقائيًا، بل أصبح لزامًا على المواطن تقديم مستمسكات رسمية لإثبات تاريخ ميلاده.



يوم استثنائي


ويقول الكاتب العراقي أكرم المشهداني إن الأول من تموز “يوم مميز في العراق، حيث يُحتفل فيه بأعياد ميلاد ملايين الأشخاص”، ويضيف مازحًا: “ربما لا يوجد شعب في العالم لديه هذه الظاهرة الفريدة”.


أما المحامي أحمد مجيد، فيصف الأمر بأنه كان ضرورة فرضها الواقع الاجتماعي والجهل بالقراءة والكتابة، إضافة إلى الرغبة في التهرب من الخدمة العسكرية الإلزامية، خصوصًا في المناطق الريفية.


ومع تطور الوعي الصحي والتعليمي وانتشار المستشفيات وشهادات الولادة الرسمية، بدأت هذه الظاهرة بالتراجع، لكنها تبقى حكاية عراقية أصيلة، لا تزال تُروى وتُحتفل بها كل عام في “عيد ميلاد دولة”.