آخر الأخبار


انهيار صامت.. سوق العقارات العراقي "يترنح" بـ"الركود".. والأنبار تتصدر المشهد

  • A+
  • A-

الديرة -  الرمادي



تزدحم لافتات بيع المنازل على الجدران في مختلف أنحاء العراق، لتصبح صورة مألوفة في حياتنا اليومية، في وقت يعاني فيه سوق العقارات من أزمة تفاقمت في الآونة الأخيرة، ما يثير قلق المواطنين والمستثمرين على حد سواء.

ويطرح هذا الواقع العديد من الأسئلة حول مستقبل هذا القطاع الحيوي في الاقتصاد العراقي، فهل نحن أمام ركود عقاري مؤقت أم أزمة طويلة الأمد؟ وما هي الأسباب التي تقف وراء هذه الأزمة؟ وكيف تؤثر على مختلف المحافظات العراقية؟


تلفزيون "الديرة" يفتح ملف أسعار العقارات في العراق، ويقلب في أوراق أهل الشأن من التجار والمستثمرين.

ويشهد سوق العقارات، منذ منتصف العام الماضي، ركوداً ملحوظاً، حيث تنخفض حركة البيع والشراء بشكل كبير رغم وجود العديد من العروض.

 

وتظهر البيانات أن حجم التداولات العقارية تراجع بنسبة تجاوزت 40% مقارنة بالسنوات السابقة، في حين بقيت الأسعار ثابتة إلى حد ما، مع انخفاضات طفيفة في بعض المناطق وصلت إلى 15%.

 

الركود العقاري: سبب الأزمة أم نتيجة؟

 

ويشير الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه إلى أن الوضع الحالي في سوق العقارات لا يعني انهياراً، بل هو مجرد حالة من الركود.

 

ويرى عبد ربه خلال حديث خص به "الديرة"، أن "ركود السوق يعني أن "الناس توقفت عن الشراء في وقت يتمسك فيه البائعون بأسعار مرتفعة"، فيما يفسر عبد ربه أسباب هذا الركود بالعديد من العوامل، أبرزها "الارتفاع الكبير في تكاليف البناء التي تجاوزت 35%، بالإضافة إلى تراجع القوة الشرائية للمواطن العراقي، كما أن غياب التمويل العقاري الميسر يزيد من تعقيد الأمور".

 

ويؤكد عبد ربه أن "أي تحسن في سوق العقارات يتطلب إجراءات حكومية حاسمة، تشمل تنشيط الاقتصاد، وخلق فرص عمل، وتفعيل دور المصارف لتقديم قروض إسكانية ميسرة".

 

الرقابة المصرفية وتأثيرها على السوق

 

من جانبه، يشير سالم الدايني، وهو مدير مفوض لأحد المصارف العراقية، إلى أن التدابير التي اتخذها البنك المركزي لمراقبة عمليات بيع وشراء العقارات قد أسهمت في دفع العديد من المستثمرين إلى خارج السوق، بسبب التعقيدات الإدارية والرقابية.

 

 ولفت الدايني خلال حديث خص به "الديرة" إلى أن "الإجراءات تفتقر إلى الشفافية، مما خلق حالة من الغموض بين المستثمرين والمواطنين، زادت من تعقيد المعاملات العقارية".

 

وأكد أن "الرقابة الصارمة قللت من المعروض العقاري في السوق، في الوقت الذي انخفض فيه الطلب نتيجة لزيادة التكاليف البيروقراطية والضغوط الاقتصادية".

 

المجمعات السكنية الحديثة: حل أم تفاقم للأزمة؟

 

في خضم هذه الأزمة، ظهرت المجمعات السكنية الحديثة كظاهرة جديدة في سوق العقارات، ما أثار تساؤلات حول ما إذا كانت هذه المجمعات قد ساهمت في تفاقم الأزمة أم قدمت حلولاً جديدة

 

ويقول المواطن أحمد علي: "راتبي الشهري لا يكفي حتى لدفع دفعة أولى لشراء شقة صغيرة، والأسعار خيالية مقارنة بدخلنا، والبنوك لا تقدم تسهيلات حقيقية".

 

في المقابل، يبرر عماد الجنابي، وهو مدير مشروع سكني، أن ارتفاع الأسعار في المجمعات السكنية الحديثة يعود إلى أنها توفر خيارات سكنية بمواصفات عالمية وخدمات لا تتوفر في الأحياء التقليدية.

 

 ويؤكد الجنابي قائلاً: "نحن لا نهدف إلى تعميق الأزمة، بل نسعى لتقديم حلول لها".

 

تفاوت تأثيرات الأزمة بين المحافظات

 

وتتصدر محافظة الأنبار، المدن العراقية من ناحية الركود في حركة بيع وشراء العقارات، جاءت نتيجة عوامل عدة، أبرزها قلة السيولة النقدية في المحافظة، بالإضافة إلى المشاكلات القانونية التي تعرضت لها بعض قطع الأراضي في منطقة ناحية الوفاء قرب مطار الأنبار، خلال عهد المحافظ السابق علي فرحان الدليمي، والتي أثرت سلبًا على ثقة المواطنين، حيث اشترى العديد من الأشخاص قطع أراضٍ في تلك المنطقة بأسعار تتراوح بين ٨ و١٠ ملايين دينار، لتتراجع قيمتها حاليًا إلى ٢ مليون فقط، بسبب القيود القانونية المفروضة على تحويلها لعدم سلامة وضعها القانوني،ما خلق حالة من القلق والخوف لدى المشترين المحتملين.

 

ويقول عدد من اصحاب مكاتب العقارات في الأنبار، إن "الطلب على العقارات انخفض بشكل كبير، بنسبة تصل إلى ٩٠٪، نتيجة لهذه المشاكلات، أما بالنسبة للمستقبل، فإن السوق العقاري في الأنبار لن يشهد استقرارًا إلا في حال وصول موازنة للمحافظة وتوافر السيولة النقدية".

 

وأضافوا أن "السوق العقاري حاليًا في حالة ركود شديد، وهو ليس مقتصرًا على الأنبار فقط، بل يشمل معظم المحافظات العراقية، رغم أن الأنبار تظل في المرتبة الأولى من حيث حجم الركود العقاري".

 

أما البصرة، التي تتمع بثروة نفطية كبيرة، فهي الأخرى تعاني من ركود واضح في حركة سوقها العقاري، ولا يختلف الوضع كثيراً في بغداد، فان حركة البيع والشراء مقيدة وهناك حذر كبير في التعاملات بين المواطنين، باستثناء إقليم كردستان، وتحديداً في مدينة أربيل، حيث لا تزال حركة البيع والشراء منتظمة ولم تتأثر بالركود الحاصل في باقي المناطق.

 

الحلول المقترحة

 

ويتفق الخبراء على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لتحفيز سوق العقارات، حيث تتمحور الحلول المقترحة حول تفعيل دور المصارف لتقديم قروض إسكانية ميسرة، وتبسيط إجراءات نقل الملكية، وتطوير البنية التحتية في المناطق الطرفية، فضلاً عن إطلاق مشاريع إسكان منخفضة التكلفة لفئات الدخل المحدود.

 

وقد تستغرق عملية إعادة التوازن في سوق العقارات وقتاً طويلاً، لكن لا بد من اتخاذ خطوات جادة من الجهات المعنية لإنعاش القطاع العقاري، الذي يعتبر من أعمدة الاقتصاد العراقي ويؤثر بشكل مباشر على حياة ملايين المواطنين.