آخر الأخبار


"سوق المسگف" في الرمادي.. 100 عام من الذكريات

  • A+
  • A-

 الديرة - الرمادي

في قلب مدينة الرمادي، مركز محافظة الأنبار، يقع ما كان يسمى سابقا سوق "علي سليمان" أو "سوق المسكف" الذي يُعتبر أحد أقدم الأسواق في المدينة، وشاهدًا حيًا على تاريخ المدينة منذ تأسيسه في عشرينيات القرن الماضي، هذا السوق، الذي كان يعج بالحياة والنشاط، يُبرز ملامح الحياة الاجتماعية والاقتصادية في ذلك الوقت.


منذ تشييده ضم السوق دكاكين صغيرة تبيع مختلف السلع الضرورية، من السكر والشاي والرز إلى الملابس التقليدية والأحذية، وكان يعتبر ملتقى لأهالي الرمادي والزوار من المناطق المجاورة.


"أبو محمد"، أحد زوار السوق القدامى، يصف لنا بداياته قائلًا: "يعود تاريخ هذا السوق إلى العهد العثماني، وسُمّي بالمسكف لأنه كان مسقوفًا بخشب القوغ وجريد النخل، كانت الدكاكين ضيقة، مليئة بالحياة، وتباع فيها موادٌ بسيطة تُعبر عن أسلوب حياة أهل المدينة في ذلك الزمان".


ويضيف "أبو محمد": "في ذلك الوقت، لم يكن السوق يشهد سوى حركة المشاة، حيث لم يكن هناك مجال لدخول السيارات، مما أضاف للسوق طابعًا شعبيًا حميميًا، وعند مدخل السوق ثمة خان قديم يُعرف بخان علي كنش، والذي كان بمثابة محطة رئيسية للقادمين من خارج المدينة، ورغم صغر مساحة السوق وضيق ممراته، إلا أنه كان يحتضن ما يقارب المئة دكان، وكان يشتهر ببيع السجائر الملفوفة يدويًا، والتي كانت تعرف حينها بـ التتن".


"ليس مجرد سوق"

حجي عباس أحد تجار السوق منذ ستينيات القرن الماضي، يتحدث عن ذكرياته قائلاً: "منذ وعيت على الدنيا، وهذا السوق كان مقصد الناس من كل أنحاء الرمادي، ومن البدو الذين يأتون من الصحراء على ظهور الحيوانات، كان السوق المسكف المكان الوحيد الذي يلبي كل احتياجات أهل الرمادي، من المواد الغذائية إلى الخضار واللحوم والملابس". 

ويرى حجي عباس أن "السوق ليس مجرد مكان للتسوق، بل هو جزء من التراث الذي يُظهر تاريخ المدينة وأصالة أهلها، ويطالب المسؤولين بضرورة الاهتمام بهذا الصرح التراثي والحفاظ عليه كي لا تفقد المدينة جزءًا من هويتها التاريخية".



أما "حجي كريم"، أحد مرتادي السوق القدامى، يستذكر تلك الأيام بقوله: "كانت أيامنا في هذا السوق من أجمل أيام العمر؛ كان البزاز يعمل والخياط يخيط، وكان السوق مزدحمًا في جميع الأوقات، تلك الأيام تركت في ذاكرة ابو محمد صورًا لا تُنسى عن حياة كانت تتسم بالبساطة والمودة بين الناس، حيث كانت تجارة السوق تجري دون تعقيدات، والأجواء مفعمة بالتعاون والألفة.


ومع مرور الزمن، شهد السوق تطورًا في هيكله وتوسعًا في محلاته وفروعه، لكنه ما زال يحتفظ باسمه التاريخي وشعبيته بين أبناء محافظة الأنبار، ورغم مرور مئة عام على إنشائه، إلا أن سوق المسكف ما زال صامدًا، مُعبرًا عن تاريخ الرمادي العريق، ومحافظًا على مهنته المتوارثة التي نقلها الأبناء عن الآباء والأجداد.


يحظى سوق المسكف اليوم بشعبية واسعة، إذ أصبح مقصدًا لجميع المتبضعين من أبناء الرمادي، وما زال يُعتبر أيقونة تراثية تمثل هوية المدينة، ورغم التحولات التي طرأت عليه، فإن الحفاظ على هذا المعلم التاريخي يعدّ واجبًا، كي تبقى ذاكرة الرمادي حيّة للأجيال القادمة.


من: علاء أمين