آخر الأخبار


354 مليون شتلة في 12 ساعة بإثيوبيا.. والعراق يزرع ويقطع الأشجار في آن واحد!

  • A+
  • A-

 الديرة - الرمادي


قبل سنوات، أصدرت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" تقريراً لافتاً يشير إلى أن الأرض اليوم أكثر اخضراراً مما كانت عليه قبل عقدين، فصور الأقمار الاصطناعية كشفت عن توسّع واضح في الغطاء النباتي، خصوصاً في آسيا، بفضل برامج تشجير طموحة.


ووفقاً لتقارير فان الهند سجّلت رقماً قياسياً عام 2016 عندما تضافر 800 ألف متطوع لزراعة 50 مليون شجرة خلال 24 ساعة فقط.


اما إثيوبيا فحطّمت الرقم القياسي لاحقاً بزراعة 354 مليون شتلة في 12 ساعة، ضمن خطة لزراعة 4 مليارات شجرة بين مايو وأكتوبر.


كذلك الصين وتركيا نفذتا استراتيجيات طويلة الأمد لتحويل مساحات قاحلة إلى أراضٍ خضراء، ما انعكس على صور ناسا بوضوح.


هذه المبادرات لم تُحسّن فقط من مظهر الكوكب، بل ساعدت على تقليل الانبعاثات الكربونية وتعزيز التنوع البيولوجي وحماية التربة من التآكل.


اما في العراق فألارقام متواضعة والطموحات مؤجلة


يبدو العراق بعيداً عن هذا السباق، فقد أعلنت الحكومة في إحدى مبادراتها عن حملة لزراعة مليون شتلة خلال عام كامل، ورغم أهمية الخطوة من الناحية الرمزية، إلا أن المقارنة مع أرقام دول مثل إثيوبيا أو الهند، حيث تُزرع عشرات الملايين من الأشجار في غضون ساعات، تكشف فجوة كبيرة في الرؤية والتنفيذ.


يضاف إلى ذلك أن بغداد وعدداً من المحافظات تشهد عمليات قطع للأشجار القائمة لأغراض إنشائية أو بسبب ضعف الرقابة، وبدلاً من التوسع في المساحات الخضراء، تتقلص الحدائق العامة والبساتين، حتى داخل العاصمة.



التصحر: تهديد وجودي


يعاني العراق من أحد أعلى معدلات التصحر في الشرق الأوسط، اذ تشير تقارير وزارة البيئة العراقية ومنظمات دولية إلى أن نحو 39% من أراضي البلاد مهددة بالتصحر، بينما تدهورت الخصوبة في مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية لعوامل عدة أبرزها، انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات بفعل التغير المناخي والسدود في دول المنبع، وارتفاع درجات الحرارة التي تجاوزت في بعض المناطق 50 مئوية في مواسم الصيف، كذلك العواصف الترابية المتكررة التي أضحت سمة شبه يومية في بعض الفصول.



انعكاسات بيئية وصحية


التصحر ليس مجرد قضية جمالية، بل له تداعيات مباشرة على حياة الناس فزيادة العواصف الغبارية تؤدي إلى أمراض تنفسية مزمنة مثل الربو والحساسية، كذلك فقدان التنوع البيولوجي مع تراجع الغطاء النباتي الذي يحمي الكائنات البرية، وتراجع الأمن الغذائي بسبب انخفاض الإنتاج الزراعي، فضلا عن تأثير اقتصادي من خلال ارتفاع تكاليف معالجة المياه وتراجع النشاط السياحي والريفي.



لماذا لا يكثّف العراق حملات التشجير؟


يرى مختصون أن غياب استراتيجية وطنية شاملة هو العائق الأكبر، ورغم إعلان مبادرات متفرقة، تبقى معوقات أساسية اهمها نقص التمويل وقلة الاعتماد على الاستثمارات الخضراء وتضارب الصلاحيات بين الوزارات والحكومات المحلية، كذلك غياب حملات توعية شعبية تحفّز المواطنين على المشاركة، فضلا عن الأزمات السياسية والأمنية التي تضع البيئة في ذيل الأولويات، وبالنتيجة فان العراق يزرع على استحياء، بينما تتراجع الأراضي الزراعية ويزداد الغبار في سمائه.



الطريق إلى إنقاذ أخضر


يرى خبراء البيئة أن الحل يتطلب رؤية جريئة تتجاوز الحملات الرمزية، من أبرز ملامحها، إطلاق برنامج وطني لتشجير ملايين الأشجار سنوياً يركز على المناطق الصحراوية وحول المدن، كذلك توفير مياه الري عبر إعادة تدوير المياه الرمادية واستخدام تقنيات الري بالتنقيط، وسنّ قوانين رادعة ضد قطع الأشجار وتجريف الأراضي الزراعية، فضلا عن إشراك المجتمع المدني والمدارس والجامعات في برامج تطوعية مستمرة.


وفي وقت تتسابق فيه دول نامية لزراعة مئات الملايين من الأشجار خلال ساعات، يواجه العراق خطر تحوّل مساحات شاسعة من أراضيه إلى صحراء قاحلة، وما لم تُتخذ إجراءات عاجلة وحاسمة، سيبقى البلد بعيداً عن خريطة العالم الأخضر التي تحتفل بها صور الأقمار الاصطناعية، بينما تتزايد كلفة الإهمال على الأجيال القادمة.