الديرة - الرمادي
تشهد العلاقات بين سوريا والعراق تحولًا جذريًا، بعد سقوط نظام الأسد، تاركةً وراءها تداعياتٍ عميقةً على الصعد الإنسانية والاقتصادية والسياسية، إذ جاءت قرارات رفع رسوم التأشيرات التي تلت إغلاق المعابر البرية بمثابة صدمةٍ للشعبين اللذين ارتبطا عبر عقودٍ بأوردة اجتماعية وتاريخية متجذرة. فيما تطفو على السطح تساؤلاتٌ حول مدى قدرة هذين البلدين على الحفاظ على جسور التواصل فيما تتصاعد ضغوط الأزمات الاقتصادية والصراعات الإقليمية، لتُعيد تشكيل مسار هذه العلاقة بشكلٍ قد يُهدد بتآكل مكتسبات التعاون الطويل.
تلفزيون "الديرة" يفتح ملف العلاقات العراقية السورية.
التأشيرة تتحول إلى عبء
بداية، لا يمكن فصل قرار رفع رسوم التأشيرات على العراقيين الراغبين بدخول سوريا من 50 إلى 250 دولارًا ولمرة واحدة فقط، عن السياق الاقتصادي المتردي الذي تعيشه البلاد. ففي ظل العقوبات الدولية، سعت الحكومة السورية إلى تعزيز إيراداتها عبر هذه الخطوة، لكنها بالمقابل حوّلت التأشيرة إلى عبءٍ ماليٍ ثقيل، خاصةً للعائلات العراقية التي اعتادت زيارة أقاربها في سوريا بشكلٍ دوري. لم تكن هذه الزيادة مجرد رقمٍ في الأوراق الرسمية، بل تحولت إلى حاجزٍ يفصل بين الأسر المشتتة، ويُضعف النسيج الاجتماعي الذي ظل صامدًا رغم عقودٍ من الحروب والنزاعات، وفي الوقت ذاته، أدى تقليص مدة صلاحية التأشيرة إلى ثلاثة أشهر بدلًا من ستة إلى تعقيد إجراءات السفر، مما قد يدفع بالكثيرين إلى التخلي عن زياراتهم لسوريا أو تقليصها.
لا تمور عراقية في سوريا
من ناحية أخرى، لم يكن إغلاق المعابر البرية وعلى رأسها معبر القائم- البو كمال قرارًا عابرًا، بل مثّل ضربةً قاسيةً للاقتصادين السوري والعراقي، كونه يمثل شريانا رئيسيا للتبادل التجاري، تحول إلى ساحةٍ للتوترات السياسية، حيث تهدر على أعتابه ملايين الدولارات من الخسائر يوميًا، ولم تقتصر الآثار على تراجع التبادل التجاري، بل امتدت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية في المناطق الحدودية، مما زاد من معاناة السكان الذين يعتمدون على هذه التجارة في تأمين مصدر عيشهم، فضلا عن تسببه بتعطيل سلاسل الإمداد للسلع الحيوية، مثل التمور العراقية التي كانت تصل إلى الأسواق السورية، والمنتجات الزراعية السورية التي اعتادت العائلات العراقية على استهلاكها، لتصبح الحدود أشبه بجدارٍ يفصل بين اقتصاديْن متشابكيْن كانا بحاجةٍ إلى بعضهما أكثر من أي وقتٍ مضى.
المعاملة بالمثل
ويرى مراقبون أن السياسات السورية جاءت كرد فعل على خطوات العراق، الذي أصدر مؤخرا قرارا بتعليق منح تأشيرة العمل والزيارة للسوريين، بالإضافة إلى إغلاق الحدود البرية أمام المغادرين والقادمين، ليترك آثار مزدوجة، تمثلت بحرمان آلاف السوريين من فرص العمل في السوق العراقي، وعرقلت لم شمل العائلات التي فرقتها الحروب، ليتحول الحق في التنقل إلى رهينةٍ للصراعات السياسية العابرة للحدود.
ورغم استمرار العراق بتتبع سياسية الانكفاء من سوريا الجديدة، إلا أن الأمل ما زال معقودا على عودة الاتفاقيات الثنائية بين البلدين، مثل بروتوكول تنظيم النقل البري، الذي قد يُعيد الحياة إلى طرق التجارة المعطلة. كما أن إقامة مناطق تجارة حرة كالتي حصلت بين الأردن وسوريا عند معبر نصيب الحدودي جنوبي البلاد يُشجع الاستثمارات الصغيرة ويُخفف من معاناة السكان المحليين، إلا أن كل هذه الحلول تبقى رهينةً بحوارٍ إقليميٍ جاد، تدعمه جهود دولية وضمانات من الدولتين لمنع تسريب أي حالة تهدد امن البلدين.