الديرة - الرمادي
في خضم التصعيد المتزايد بين الولايات المتحدة وإيران، يجد العراق نفسه في قلب العاصفة الجيوسياسية، مع محاولات حثيثة لتفادي الانجرار إلى صراع لا يملك أدوات التأثير فيه.
وتكشف التصريحات الأخيرة لرئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، عن استراتيجية بغداد الرامية إلى الحفاظ على توازن بين علاقاتها مع واشنطن وطهران، في وقت تشهد فيه المنطقة تحذيرات إيرانية متكررة بضرب ست دول، بينها العراق، إذا ما دعمت هجوماً أمريكياً محتملاً.
من جهته، أكد السوداني خلال لقائه شيوخ قبائل في بغداد، أن العراق تمكّن من تجنّب الانزلاق نحو الحروب رغم خطابات الفتنة والتأزيم، مشيراً إلى أن التعامل "بحكمة ومسؤولية" هو ما حمى البلاد من التحول إلى ساحة صراع. غير أن هذا الخطاب الرسمي لا يُخفي التحديات العميقة التي تواجهها بغداد، خاصة مع تصاعد الحديث عن وساطات غير مباشرة بين أمريكا وإيران، وترديد الطرفين استعدادهما للمفاوضات والحرب في آن واحد.
العراق.. جسراً للتواصل أم ساحة للصراع؟
تبذل الحكومة العراقية جهوداً دبلوماسية مكثفة لتعزيز التنسيق الإقليمي والدولي، إذ تبحث الشخصيات السياسية العراقية مع المسؤولين الأمريكيين، سبل تعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي، مع التأكيد على الدور العراقي في استقرار المنطقة.
لكن هذه الجهود تصطدم بواقع معقد، يتمثل في مشروع قانون أمريكي قدمه جمهوريان في الكونغرس تحت عنوان "تحرير العراق من إيران"، يهدف إلى تقليص النفوذ الإيراني عبر إقصاء ما وصفوها بـ "الميليشيات الموالية لطهران" ووقف الدعم الأمني الأمريكي ما لم تُطبّق هذه الإجراءات.
ورغم تشكيك أوساط عراقية في إمكانية تمرير المشروع، إلا أنه يعكس توجهات أمريكية قد تُعقّد موقف بغداد، خاصة مع تحذيرات إيرانية صريحة للعراق ودول خليجية من تقديم أي دعم لعمل عسكري أمريكي.
الاقتصاد.. ورقة ضغط في المعادلة الجيوسياسية
لا تقتصر التحديات على الجانب الأمني، فاقتصاد العراق الهشّ يشكل ورقة ضغط كبيرة. يعتمد العراق على الغاز الإيراني لتشغيل محطات الكهرباء، بينما تظل الولايات المتحدة شريكاً أساسياً في دعم النظام المالي عبر التعامل بالدولار، هنا تحاول بغداد تنويع مصادر الطاقة عبر الربط الكهربائي مع دول الخليج وتطوير مشاريع الطاقة المتجددة، لكن هذه الخطوات تحتاج وقتاً لا تضمنه التطورات المتسارعة.
سيناريوهات التصعيد.. بين الوساطة والمواجهة
تُطرح ثلاثة سيناريوهات رئيسة لمستقبل الأزمة: الأول يراهن على نجاح الوساطة العراقية في إحياء المفاوضات النووية، مما يخفف الضغوط على بغداد. والثاني يتوقع تصاعد العقوبات الأمريكية التي قد تدفع العراق لخفض تعاونه مع إيران، مما يُغذي توترات داخلية مع القوى الموالية لطهران. أما السيناريو الأسوأ فيتمثل في تحوّل العراق إلى ساحة مواجهة مباشرة، عبر هجمات على القوات الأمريكية، او استخدام القواعد الأمريكية منطلقاً للهجوم على إيران.
توازن فوق حبل مشدود
تبقى قدرة العراق على المناورة مرهونة بتحقيق توازن دقيق: الحفاظ على العلاقة مع واشنطن دون استفزاز طهران، وإدارة الملف الاقتصادي دون انهيار، واحتواء الضغوط الداخلية من قوى الإطار التنسيقي.
لكن الأسئلة الأكثر إلحاحاً تظل قائمة: هل تملك بغداد ما يكفي من الأدوات لتحقيق هذه المعادلة المستحيلة؟ أم أن المنطقة مقبلة على عاصفة لن يُكتب للعراق النجاة من تداعياتها؟ المشهد الراهن يشير إلى أن العراق، رغم كل الجهود، لا يزال يقف على حافة هاوية قد تبتلعه مع أول شرارة.