الديرة - الرمادي
تنهض محافظة الأنبار من رماد الحروب والصراعات، لتكتب بحروف من نور قصة نهوضها وتقدمها، لتتحول من مسرح للعمليات العسكرية إلى نموذج للبناء والتنمية، حتى غدت تُعرف بـ "عاصمة التقدم".
ولم يكن مصطلح "الأنبار عاصمة التقدم" وليد اللحظة، بل هو ثمرة لحظة تاريخية فارقة، أُطلق بعد تحرير المحافظة من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي في نهاية عام 2017، حيث كان بمثابة إعلان عن بداية عصر جديد من التعافي والنهوض.
تبنت الحكومة المحلية في الأنبار هذا الشعار كرؤية استراتيجية لمستقبل المحافظة، وكإشارة واضحة إلى أن صفحة الإرهاب والدمار قد طويت، وأن الأولوية الآن هي للبناء والإعمار والتنمية.
وخلال وقت قصير، تحول المصطلح من مجرد شعار إلى خطة عمل شاملة، تضمنت إطلاق سلسلة من المشاريع التنموية في مختلف القطاعات، بهدف إعادة تأهيل البنية التحتية المدمرة، وإنعاش الاقتصاد المحلي، وتوفير فرص العمل للشباب، والارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
الأنبار اليوم
شهدت محافظة الأنبار تحولاً جذرياً في الوضع الأمني، فبعد أن كانت تعاني من اضطرابات أمنية حادة، أصبحت اليوم من أكثر محافظات العراق استقراراً، ويعود الفضل في ذلك إلى الجهود المشتركة للقوات الأمنية وأبناء العشائر، الذين أسهموا بشكل فعال في تحقيق هذا الاستقرار.
وقد انعكس هذا التحسن الأمني إيجاباً على مختلف جوانب الحياة في المحافظة، حيث شجع على عودة النازحين إلى مناطقهم، وساهم في تهيئة بيئة مناسبة للاستثمار وإعادة الإعمار.
من جانب آخر، شهد القطاع الزراعي في المحافظة تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، من خلال استصلاح آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية، وإدخال تقنيات حديثة في الري والزراعة، كما تم تنفيذ العديد من المشاريع لتطوير الثروة الحيوانية، وإنشاء مزارع للدواجن والأسماك، مما ساهم في تعزيز الأمن الغذائي للمحافظة والبلاد بشكل عام.
صناعيا شهدت الأنبار نهضة غير مسبوقة، تجلت في افتتاح المرحلة الأولى من مشروع المدينة الصناعية، التي تمتد على مساحة ثلاثة آلاف دونم، وتضم 213 مقسماً صناعياً جاهزاً، وقد أعلن وزير الصناعة والمعادن، خالد بتال النجم، عن اكتمال هذه المرحلة التي تشكل 40% من المساحة الكلية للمدينة، مع إنجاز حوالي 95% من أعمال المرحلة الثانية.
وتتميز هذه المدينة الصناعية بتوفر البنى التحتية والخدمات الأساسية، بما في ذلك إمدادات المياه ومحطة كهرباء بطاقة 64 ميغاواط، مما يوفر بيئة مثالية للمستثمرين الصناعيين. وقد دعا الوزير الصناعيين للتقدم إلى هيئة المدن الصناعية لإبرام عقود إيجار للبدء بإنشاء مصانعهم ومشاريعهم داخل المدينة.
بالإضافة إلى ذلك، تم إعادة تشغيل العديد من المعامل والمصانع التي كانت متوقفة بسبب الظروف الأمنية، مثل معامل الإسمنت والزجاج والسيراميك، مما أسهم في توفير فرص عمل للشباب، وتعزيز الاقتصاد المحلي.
تطور لا يتوقف
تشهد الأنبار حركة إعمارية واسعة النطاق، شملت إعادة بناء المناطق المتضررة، وترميم المباني الحكومية والمدارس والمستشفيات، وإنشاء مجمعات سكنية جديدة، كما تم تنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية، مثل شق الطرق وإنشاء الجسور وتطوير شبكات المياه والصرف الصحي.
وعلى صعيد التنمية البشرية، فقد شهدت دعما غير محدود للمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتشجيع ريادة الأعمال، وقد أسهمت هذه الجهود في خفض معدلات البطالة، وتحسين المستوى المعيشي للسكان.
ولم يتوقف التطور العمراني في المحافظة عند هذا الحد، فد تتطلع الأنبار إلى مستقبل أكثر إشراقاً، مدعومة بالاهتمام الدولي المتزايد، الذي تجسد مؤخراً في زيارة وفد من السفارة الأمريكية، برئاسة السيدة جولي جونز، رئيسة القسم الاقتصادي في السفارة.
وقد أعربت السفارة عن شكرها وتقديرها لمحافظ الأنبار ورئيس مجلس المحافظة وأهالي الأنبار على حفاوة الاستقبال، مشيرة إلى أن الزيارة كانت فرصة مميزة لمناقشة الفرص الاقتصادية المتاحة مع ممثلي قطاع الأعمال في الأنبار، بالإضافة إلى الالتقاء بفاعلين في مجالات الصحة والتعليم والحفاظ على التراث الثقافي.
الأنبار: النموذج الملهم للعراقيين
ويرى الاستشاري الاقتصادي، مصطفى الفرج، إن هذا الاهتمام الدولي يفتح آفاقاً واسعة للتعاون في مختلف المجالات، ويبشر بمرحلة جديدة من التطور العمراني والاقتصادي للمحافظة.
ويقول الفرج في تصريح خاص لتلفزيون "الديرة"، إنه " من المتوقع أن تشهد الأنبار في السنوات القادمة، تنفيذ مشاريع البنية التحتية الكبرى، بما في ذلك شبكات الطرق والجسور، وتطوير شبكات المياه والصرف الصحي، وتحديث شبكة الكهرباء، مما سيسهم في تحسين نوعية الحياة للسكان، وتعزيز جاذبية المحافظة للاستثمارات".
وتويع الفرج "إنشاء مدن سكنية جديدة، وتطوير المناطق الصناعية فضلا عن تنمية القطاع السياحي وتطوير القطاع التعليمي والصحي".
وختاماً، يمكن القول إن "الأنبار عاصمة التقدم" ليست مجرد شعار، بل هي رؤية طموحة تتحول يوماً بعد يوم إلى واقع ملموس، بفضل تضافر جهود الحكومة المحلية، والدعم الدولي، وإصرار أبناء المحافظة على تجاوز تحديات الماضي، والمضي قدماً نحو مستقبل أكثر إشراقاً.
وتبقى الأنبار نموذجاً ملهماً للعراقيين، في كيفية تحويل المحن إلى طفرة عمرانية، وبناء الحياة من جديد بعد سنوات من المعاناة والدمار.