آخر الأخبار


4 ملايين موظف عراقي.. متى تنفجر فقاعة الرواتب؟

  • A+
  • A-

 الديرة - الرمادي


في العراق، ما تزال الوظيفة الحكومية تمثّل الحلم الأول لغالبية الشباب، ليس فقط لما تمنحه من دخل ثابت، بل لما تمثله من "أمان نفسي" في بيئة اقتصادية متقلبة، ومشهد استثماري شبه غائب، ومع كل عام جامعي جديد، يتضاعف طابور المنتظرين لفرصة تعيين قد لا تأتي، في وقت ترتفع فيه الأصوات المحذّرة من تضخم فاتورة الرواتب في الموازنة العامة.


يفتح تلفزيون "الديرة" ملف التعيينات الحكومية، وأثره على اقتصاد البلد، في ظل التحذيرات من أزمة مالية متوقعة، قد تضع الحكومة في عجز من دفع رواتب الموظفين.


القطاع الحكومي هو الأمل


ويقول (امير ماجد)، خريج جامعي ينتظر التعيين منذ أكثر من ثلاث سنوات:

“أدرس أربع سنوات حتى أطلع شهادة، وبالنهاية ما عندي خيار غير أنتظر التعيين، لأن القطاع الخاص ما يضمن مستقبلي.”


هذا الرأي يشاركه كثير من الشباب الذين يرون أن القطاع الحكومي هو الملاذ الأخير، في ظل غياب الثقة بالقطاع الخاص وعدم وجود برامج دعم واضحة للمبادرات الفردية. 

ويضيف ماجد، أن "الوظيفة الحكومية مثل السقف الذي تحتمي تحته، حتى لو كان الراتب بسيط، الأمان أهم شي.”


من جانبها، تعبّر أم حسين، وهي والدة طالب جامعي، عن رأي يعكس طبيعة التفكير الجمعي للأسر العراقية:

“أريد ابني يتعين، حتى لو براتب قليل، المهم ضمان صحي وتقاعد ومستقبل آمن.”


لكن هذه الثقافة المجتمعية، بحسب اقتصاديين، هي واحدة من أبرز أسباب الضغط المالي المتزايد على الدولة، حيث تحوّلت الوظيفة إلى مطلب شعبي دائم، وتحوّلت الحكومات إلى ضامنٍ مالي لأجيال متعاقبة، في اقتصاد يعاني من تقلبات أسعار النفط وعجز في التنويع.


ويقول الخبير الاقتصادي احمد عبد ربه، إن "المجتمع العراقي ينظر للوظيفة الحكومية على أنها الضامن الوحيد، نتيجة غياب بيئة استثمارية مستقرة، وعدم ثقة بالقطاع الخاص، لكن هذا النمط لا يمكن أن يستمر إلى الأبد".


ويرى عبد ربه خلال حديثه لتلفزيون "الديرة"، أن "الجامعات تخرج آلاف كل سنة، والكل يطمح بالتعيين. لكن لا احد يسأل: هل الدولة قادرة على دفع رواتبهم بعد 5 سنوات؟".


ويتابع أن " الوظيفة الحكومية تبقى حلماً، ينتظره كل من تخرج مؤخرا من الجامعات العراقية".


أرقام مرعبة


يبلغ عدد الموظفين في القطاع العام العراقي نحو 4 ملايين موظف، وفقاً لتصريحات سابقة لمظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء. 


ويُشكل هذا العدد الكبير ضغطاً على الموازنة العامة، خاصة في ظل الترهل الوظيفي الذي يُعيق الإنتاج ويرهق الخزينة العامة، حيث لا تُحقّق المؤسسات الحكومية عائدات كافية لتغطية رواتب العاملين فيها.


وتستهلك الرواتب الحكومية نحو 47 مليار دولار سنوياً (ما يعادل 62 تريليون دينار عراقي)، وهو ما يمثل حوالي 65% من إجمالي الموازنة التشغيلية للدولة. 


ويشير صالح إلى أن "متوسط رواتب الموظفين الحكوميين يفوق متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، مما يزيد العبء على الخزينة، كما أدت التعيينات الجديدة إلى زيادة النفقات التشغيلية بمقدار 8 تريليونات دينار شهرياً (نحو 6 مليارات دولار)".


ورغم عدم ذكر نسبة محددة للبطالة ، إلا أن المستشار المالي لرئيس الوزراء اكد أن "جهود الحكومة لامتصاص البطالة عبر تنشيط القطاع الخاص والمشاريع الاستثمارية الكبرى، مثل "طريق التنمية" وميناء الفاو، بالإضافة إلى منح قروض صغيرة ومتوسطة لإنشاء مشاريع تولّد فرص عمل، كما تسعى الحكومة إلى تطبيق قانون تقاعد القطاع الخاص بالتعاون مع البنك الدولي، لتحفيز التوظيف خارج الجهاز الحكومي، وتقليل الضغط على الوظيفة العامة التيي تعيل نحو 23 مليون مواطن (بمعدل 5 أفراد لكل موظف)".


ووفقًا لإحصائية أخرى، يُقدَّر عدد الخريجين السنوي في العراق بحوالي 250,000 خريج، مع ذلك تواجه الدولة تحديات كبيرة في استيعاب هذا العدد المتزايد ضمن القطاع العام، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، فيما تشير تقارير إلى وجود حوالي 5 ملايين عاطل عن العمل في العراق، وهو ما يعكس الفجوة الكبيرة بين عدد الخريجين وفرص التوظيف المتاحة.  



ورقة سياسية 


وتحولت التعيينات الحكومية في العراق خلال السنوات الأخيرة إلى أداة سياسية بامتياز، تُستخدم في مواسم الانتخابات كوسيلة فعّالة لكسب الولاءات وشراء الأصوات، في ظل غياب نظام عادل للتوظيف واحتكار القرارات الوظيفية بيد النخب الحزبية المتنفذة.


يقول المحلل السياسي مصطفى الفرج:

“التعيينات في العراق لم تعد مسألة إدارية، بل تحوّلت إلى ورقة ضغط سياسي، تُستخدم قبل كل انتخابات كنوع من الرشوة الشرعية لشراء الولاء الشعبي.”


ويؤكد الفرج خلال حديثه لتلفزيون "الديرة" أن:

"الدرجات الوظيفية لا تُوزَّع حسب الكفاءة، بل حسب الانتماء الحزبي، وكثير من الأحزاب تعتبر الوزارات التي تديرها بمثابة غنيمة سياسية تُوزع المناصب فيها كمكافآت للمؤيدين".


ويضيف أن "هذا الواقع أنتج إحباطًا واسعًا بين الشباب والخريجين، الذين يشعرون أن التعيين لم يعد مرتبطًا بالمؤهل الأكاديمي أو الكفاءة، بل بـ”المحسوبية والوساطة”.



الدولة امام اختبار حقيقي


وفي ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها العراق، يطرح العديد من المختصين تساؤلات حول سبب تراجع دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، ويثيرون القلق بشأن مستقبل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي من المفترض أن تكون محركًا أساسيًا للنمو والتنمية.


يقول الخبير والاستشاري الاقتصادي، ناجي الكناني :

"القطاع الخاص في العراق يعاني من العديد من التحديات، أبرزها ضعف البنية التحتية، وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي، ما يعرقل تطوره، في الوقت نفسه، غالبًا ما تفضل الحكومة التوظيف في القطاع العام على حساب القطاع الخاص، وهو ما يؤدي إلى ضعف روح المبادرة لدى المواطنين".


ويرى الكناني خلال حديث خاص لتلفزيون "الديرة" أن:"المشاريع الصغيرة في العراق لم تُعطَ الفرصة المناسبة للنمو، إذ أن القروض غير الميسرة والبيروقراطية المعقدة تحول دون إطلاق مشاريع جديدة، كذلك، فإن غياب التشريعات المحفزة يساهم في تقليص قدرة هذه المشاريع على المنافسة في السوق".



ويضيف :"إذا أردنا أن يكون للقطاع الخاص دور حقيقي في الاقتصاد العراقي، يجب أن تتوجه الدولة نحو خلق بيئة قانونية وتشريعية تدعم المشاريع الصغيرة، كون هذه المشاريع هي التي تخلق فرص العمل وتنشط الاقتصاد المحلي".


وعلى ما يبدو أن استمرار السياسة الاقتصادية الحالية في العراق، قد تعرض قدرة الدولة على دفع الرواتب إلى اختبارات قاسية في المستقبل القريب، خصوصاً مع تصاعد أعداد الخريجين وتراجع الثقة ببدائل مثل القطاع الخاص أو المشاريع الفردية.