آخر الأخبار


"الديرة" تسأل الخبراء: لماذا لا ينعش هبوط الدولار جيوب العراقيين؟

  • A+
  • A-

 الديرة - الرمادي 


يواجه العراقيون لغزاً اقتصادياً محيراً في الأسواق المحلية، حيث تشهد أسعار السلع الاستهلاكية والمواد الغذائية جموداً مثيراً للقلق رغم الانخفاض النسبي في سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي.


يسلط تلفزيون "الديرة" على هذه المعادلة الغامضة التي تثير تساؤلات جدية حول آليات السوق العراقية وسلوك التجار، والتي تعكس أزمة اقتصادية أعمق تتجاوز تقلبات أسعار الصرف لتصل إلى جوهر النظام التجاري في البلاد.


وشهدت الأشهر الماضية تقلبات حادة في سعر صرف الدولار، حيث تجاوز سعر الصرف في السوق السوداء حاجز 155 ألف دينار لكل 100 دولار أمريكي، مقارنة بالسعر الرسمي المحدد عند 132 ألف دينار لكل 100 دولار، هذا الارتفاع الجنوني ترك آثاراً مدمرة على القدرة الشرائية للمواطنين، حيث شهدت أسعار السلع الأساسية ارتفاعاً مضاعفاً أثقل كاهل الأسر العراقية وزاد من معاناتهم الاقتصادية.

"الهبوط" بلا أثر


تكشف مراقبة الأسواق المحلية عن نمط سلوكي مثير للجدل بين التجار العراقيين، الذين يبدون استعداداً فورياً لرفع أسعار سلعهم عند أي ارتفاع في سعر صرف الدولار، بينما يظهرون مقاومة شديدة لتخفيض هذه الأسعار عندما ينخفض سعر الصرف، هذا السلوك التجاري أحادي الاتجاه يفسر إلى حد كبير استمرار ارتفاع الأسعار رغم انخفاض سعر الدولار من 155 ألف دينار إلى 139 ألف دينار لكل 100 دولار، ووصوله حالياً إلى 1400 دينار للدولار الواحد.


ويبرر التجار موقفهم بحجج متنوعة، منها الخوف من تقلبات مستقبلية قد تعيد سعر الصرف إلى الارتفاع مرة أخرى، إضافة إلى كون المخزون الحالي تم شراؤه بأسعار مرتفعة خلال فترة ذروة ارتفاع الدولار، كما يشير بعض التجار إلى ارتفاع تكاليف النقل والتأمين والرسوم الجمركية، التي لم تشهد انخفاضاً مقابلاً يبرر تخفيض أسعار السلع.

سوق بلا تنافس


تلعب التوقعات السلبية للمستهلكين والتجار على حد سواء دوراً محورياً في تجميد الأسعار عند مستوياتها المرتفعة.


ويرى الخبير الاقتصادي، أحمد عبد ربه أن "المواطنين الذين عانوا من موجات ارتفاع الأسعار المتكررة، باتوا يقبلون الأسعار المرتفعة كأمر واقع، مما يقلل الضغط على التجار لتخفيض أسعارهم"، لافتا إلى أنه "من جهة أخرى، يفضل التجار الاحتفاظ بهوامش ربح عالية كتأمين ضد أي تقلبات مستقبلية".


ويؤكد عبد ربه في تصريح خص به تلفزيون "الديرة"، إلى أن "هذا الوضع يشير إلى وجود شكل من أشكال الاحتكار المقنع، حيث يتحكم عدد محدود من المستوردين والتجار الكبار في تسعير السلع الأساسية، مستغلين غياب المنافسة الحقيقية وضعف الرقابة الحكومية على الأسواق".


ويضيف أن "اعتماد العراق شبه الكامل على الاستيراد لتلبية احتياجاته من السلع الاستهلاكية يمنح المستوردين قوة تفاوضية كبيرة في تحديد الأسعار".

المواطن يدفع الثمن


يفتقر السوق العراقي إلى آليات رقابية فعالة تضمن تطبيق مبدأ العدالة في التسعير، حيث تكتفي الجهات المختصة بإصدار بيانات وتصريحات حول ضرورة تخفيض الأسعار دون اتخاذ إجراءات عملية ملزمة. 

ويوضح الخبير الجمركي مصطفى الفرج أن "هذا الغياب الرقابي يترك المجال مفتوحاً أمام التجار للتحكم في الأسعار وفقاً لمصالحهم التجارية بعيداً عن اعتبارات العدالة الاجتماعية أو حماية المستهلك".


ويقول الفرج في تصريح خاص لتلفزيون "الديرة"، إن "الوضع الحالي يتطلب تدخلاً حكومياً عاجلاً لوضع آليات رقابية صارمة على الأسواق، وإنشاء أجهزة متخصصة لمراقبة الأسعار وضمان تطبيق مبدأ الشفافية في التسعير".


وأشار إلى أن "الأمر يحتاج أيضاً إلى وضع قوانين واضحة تجرم الممارسات الاحتكارية والتلاعب بالأسعار، مع فرض عقوبات رادعة على المخالفين".


ويردف الفرج أن "المواطن العراقي يجد نفسه اليوم ضحية لمعادلة اقتصادية ظالمة، حيث يدفع ثمن ارتفاع الدولار دون أن يستفيد من انخفاضه"، مبينا أن "هذا الوضع يتطلب حلولاً جذرية تتجاوز إدارة سعر الصرف إلى إصلاح شامل لهيكل السوق العراقية وآليات التسعير فيها".