الديرة - الرمادي
في لفظت ثلاث شقيقات أنفاسهن الأخيرة مع أطفالهن بعد أن احتضن كل منهن أطفالها، وواجهوا الموت معا وسط ألسنة اللهب التي اجتاحت أحد مراكز التسوق الكبرى في المدينة مساء أمس.
رغد، ورند، وشقيقتهن الثالثة، لم تكن تلك لحظات وداع عادية، بل كانت أشبه بصورة خالدة للحب الأمومي في أقسى صوره.
وبحسب أحد الناجين، وهو قريب للعائلة المفجوعة قال لتلفزيون "الديرة"، إنه "احتضنت كل واحدة منهن أطفالها حتى اللحظة الأخيرة، وماتوا متفحمين معًا داخل أروقة الهايبر ماركت".
ثمانية دخلوا… وواحد فقط نجا
العائلة كانت مكونة من ٨ أفراد، من بينهم ٧ أطفال، لم ينجُ من النيران سوى طفل صغير، ما زال يرقد في المستشفى مصابًا بجروح بليغة، يصارع آثار الفاجعة التي خطفت كل أحبته.
رغد… الباحثة التي لم تناقش رسالتها
كانت رغد، إحدى الشقيقات، طالبة دراسات عليا في جامعة البصرة، وعلى وشك مناقشة رسالة الماجستير في الثامن والعشرين من الشهر الجاري.
وفي آخر تواصل لها مع مشرفها الأكاديمي، الدكتور كاظم العلي، أرسلت له نسخة من رسالتها عبر سائق تاكسي، وأهدته كتابًا عن "شعرية الترجمة"، محاولة إرضائه بعد تأخير في مواعيد المراجعة.
وكتب عنها الدكتور كاظم بعد سماعه بالخبر:
"بالامس ظهرا كانت الطالبة المتميزة التي أشرف على رسالتها في الماجستير تحادثني وتقول لي انها أرسلت نسخة من رسالتها مع سائق التكسي وتسألني ان كنت ما زلت زعلانا عليها بسبب تلكؤها في بعض المواعيد وارفقت الرسالة بهدية هي كتاب " كاظم جهاد....حصة الغريب: شعرية الترجمة وترجمة الشعر عند العرب".
واخبرتها أن زعلي هو من أجلها ومن أجل إنجاز الأمور على نحو صحيح،ما كنت اعلم انها كانت تريد أن ترضيني وتودعني إلا حينما ابلغتني الدكتور فداء المولى- رئيس لجنة مناقشة رسالتها أواخر الشهر الحالي ـ أنها قضت هي واخواتها في حريق مول الهايبرماركت ليلة البارحة...حزني عظيم عليك يا رغد".
واختتم :"عودي يا رغد… ما عدت زعلانًا، ما كنت أعلم أن رسالتك وكتابك وعتابك كانت وداعك الأخير".
أما زميلتها في القسم الداخلي، الدكتورة فاطمة حيدر، فودعتها بكلمات دامعة قائلة:
“من جنا نسهر سوه بالقسم الداخلي جنت أكوللها راح تصيرين مترجمه عظيمه مثل صالح علماني… يا حبيبتي رغد، قطعة من السما، والله نزلها للأرض وهسه صارت ملاك بالسماء”.
وفي وقت سابق من اليوم الخميس، أعلنت وزارة الداخلية، تفاصيل الحريق المروّع الذي اندلع يوم أمس في بناية تجارية في محافظة واسط.
وذكر بيان للوزارة تلقته "الديرة" ان "الحادث أودى بحياة 61 مواطناً، بينهم 14 جثة متفحمة لم يتم التعرف عليها بعد، فيما تمكنت فرق الدفاع المدني من إنقاذ أكثر من 45 شخصاً كانوا عالقين داخل المبنى".
وأضاف البيان، إن "الحريق نشب في بناية مكونة من خمسة طوابق تضم مطعماً وهايبر ماركت، لم يمضِ على افتتاحها سوى أسبوع واحد، مؤكدة أن غالبية الضحايا قضوا اختناقاً نتيجة تصاعد كثيف للدخان، في حادث وصفته بـ”المأساوي الذي هزّ الوجدان والضمير”.
وتابع، ان "وزير الداخلية وجه بتشكيل لجنة تحقيق عليا برئاسة المستشار الفني للوزارة وعضوية مدير الأدلة الجنائية وعدد من كبار المحققين والخبراء، بهدف الوقوف على الأسباب الحقيقية وراء الحادث وتحديد المسؤوليات بدقة وشفافية".