الديرة - الرمادي
جسّد الفن ليصبح وسيلة للتعبير عن الهوية الأنبارية، والمعرفة العلمية، إنه معاذ خليل الهيتي، أحد أعمدة الفن التشكيلي في محافظة الأنبار. يكشف هُنا، عبر موقع تلفزيون "الديرة"، عن مسيرته الممتدة بين الإبداع الأكاديمي والفني، وكيف حفر اسمه في ذاكرة الأنباريين.
قصة فنان أنباري.. النشأة والبدايات:
ولد الهيتي عام 1957 في مدينة هيت بمحافظة الأنبار، وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة والإعدادية في مسقط رأسه، ثم التحق بكلية الفنون الجميلة في جامعة بغداد، حيث نال شهادة البكالوريوس عام 1982، وكان الأول على فرع الفخار والخزف.
دراسات عليا وبحث علمي
تابع الهيتي مشواره الأكاديمي بنيل شهادة الماجستير عام 1989 عن رسالته الموسومة “التأثيرات اللونية لمركبات الكروم في تزجيج الرصاص”، ثم شهادة الدكتوراه عام 2002 عن أطروحة الدكتوراه الموسومة “إمكانية تصنيع زجاج السيراميك البلوري بإضافة خامات محلية”، وتميزت أبحاثه بتداخل الفن والعلم، وبلغت 21 بحثاً متخصصاً في الخزف والفخار والتزجيج، إضافة إلى دراسة دلالات اللون في القرآن الكريم.
المسيرة التعليمية والمهنية
بدأ الهيتي حياته المهنية مدرساً للتربية الفنية في متوسطة التهذيب بقضاء هيت عام 1984، ثم شغل مناصب أكاديمية مهمة منها رئاسة قسم التربية الفنية في معهد إعداد المعلمات بمدينة الرمادي، وقسم التربية الفنية بمعهد المعلمين المركزي، وفي عام 1994 انتقل إلى جامعة الأنبار حيث أمضى 26 عاماً في التدريس الجامعي، حتى إحالته على التقاعد في عام 2020، وقد تسنم خلال تلك المدة مناصب إدارية بارزة منها إدارة مركز الأنشطة والفنون في جامعة الأنبار.
الانتماءات النقابية والفنية
ينتمي الهيتي للمشهد الفني والأكاديمي منذ بداياته، حيث انضم كعضو إلى مركز الخزافين الشباب عام 1986، ثم نقابة الفنانين العراقيين عام 1993، وجمعية الفنانين التشكيليين عام 2002.
وفي المجال الأكاديمي كان الهيتي عضواً في رابطة التدريسيين منذ عام 2005، وعضواً في الهيئة الاستشارية في رئاسة جامعة الأنبار منذ عام 2007، وعضواً في الهيئة الاستشارية للمنتدى الثقافي في جامعة الأنبار منذ عام 2017، كما أنه عضو في الهيئة المؤسسة لجامعة السراج الأهلية عام 2020، وقسم التربية الفنية بكلية الإدريسي عام 2023، وانضم إلى جمعية الخطاطين العراقيين – المركز العام عام 2025.
الفن والعلم يلتقيان في مسيرة الهيتي
ألف الهيتي خمسة كتب منها: “تقنيات وجماليات فن الفخار والخزف”، و“فخاريات عصر فجر السلالات في العراق القديم”، و”طرائق تدريس التربية الفنية”، كما أعد ثلاث حقائب تعليمية متخصصة في تكنولوجيا الأطيان والتزجيج والخلطات الفنية المتنوعة لفن الفخار والخزف.
من هيت إلى العالم
أقام الهيتي 15 معرضاً شخصياً، فضلاً عن مشاركاته الخارجية باسم العراق في السعودية، والصين، والمغرب في مطلع الثمانينيات، كما نظم العديد من المعارض داخل جامعة الأنبار، وفي مختلف مدن الأنبار، لا سيما مدينته هيت.
المتحف الشخصي: "مشروع العمر"
في عام 2025، تحقق حلم الهيتي بتأسيس المتحف الشخصي للفنون التشكيلية في مدينة هيت، حيث افتتح في 4 أيلول في بناية المكتبة العامة في هيت، وضم أعمالاً فنية جمعت بين الأصالة والمعاصرة والتراث، وأعمالاً إسلامية جمعت بين القباب والمآذن والأزقة القديمة بمنظور حديث وألوان زاهية تلامس المشاعر والأحاسيس والقلوب، ومن بين الأعمال الفنية الخط العربي، والأعمال الفخارية، والتصاميم الإسلامية.
وعند حديثه عن هدف إنشاء المتحف الشخصي يقول الهيتي لـ "الديرة": “هذا المتحف ليس فقط أرشيفاً فنياً، بل منصة لتربية الذوق العام، وغرس قيم الجمال والانتماء، وتزويد المتلقي بالثقافات العلمية المناسبة والمتصلة بموضوعات التعبير الفني بما يحقق لهم تعبيراً سليماً مكتملاً، وينمّي تقديرهم للفنون المختلفة”.
رؤية فلسفية للفن
يرى الدكتور معاذ الهيتي أن "الفن ليس لهواً أو ترفاً، بل ضرورة تمكن الإنسان من التنمية العاطفية والوجدانية، مشيراً إلى أن المتحف الفني يحمل الكثير من القيم، منها مساعدة الأفراد على اكتساب المهارات، وتقوية الشعور والاتجاه نحو الأهداف الوطنية والآمال المنشودة وتعبئة النفس والتحمس للعمل، كما يسهم في التنفيس عن بعض الانفعالات والأفكار، وتأكيد الذات والشعور بالثقة فيها".
كما أضاف الهيتي في ختام حديثه لـ "الديرة": أن “وجود المتحف يعكس احترام الحرف والفنون، مؤكداً أنه يدرب الحواس على الاستخدام غير المحدود، ويوفر فرصة لمعرفة العدد والأدوات والخامات ومصادرها والتدريب عليها، وكذلك طرق تسويقها، ويلهم المتلقي بالمصطلحات المهنية والصناعية، كما يدل على الترابط المجتمعي وتقدير الفنانين والمبدعين في الأنبار”.