الديرة - الرمادي
كتب ليث ساهر خال الفقيدة في حريق "فاجعة الكوت" الأستاذة الشابة رغد، رسالة وداع موجعة إلى ابنة أخته التي رحلت باكرا، بعدما كانت صوتا يملأ المكان بنقاشاته الفلسفية وأفكاره اللامحدودة.
الرسالة مزجت بين التأمل في الموت والحنين إلى حياة ممتلئة بالكتب، بالجدل، وبالشغف.
يقول ليث في رسالته المؤثرة:
"خالو رغد هذا الرثاء كتبته بالعامية، لأن اتفقنا تماما إن اللغة عاجزة مثل ما صورها بيكيت، وكنتِ تحبّين هوبي، لأن كم مرة تناقشنا على تعريف اللغة؟".
رغد، التي كانت تقرأ ألبير كامو، وتقتبس من شذرات بارت، وتجادل في فلسفة شتراوس، كانت حاضرة في كل تفاصيل الفكر والثقافة التي جمعتها بخالها، لم تكن مجرد طالبة في درب الفلسفة، بل شريكة في التأمل، في البحث عن المعنى، في الأسئلة الكبرى التي يهرب منها الكثير.
يكتب ليث عنها:
"بكل مرة كنت تصرين على ألبير كامو، وبكل مرة أصر على شتراوس، وبكل مرة يا رغد كان صوتك مثل المطر".
الرسالة، التي شاركها ساهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كانت بمثابة دفتر عزاء مفتوح، قرأه كل من عرف "رغد" أو شاركها نقاشا أو فكرة، أو حتى مر بجانبها في مكتبة أو في أي مكان آخر.
يختم خالها برسالة موجعة:
"خالو خلصت الدموع من عيون خالك ليث.. وإن الحقيقة كانت عندك يا رغد، حقا الموت أصل الحكاية، وأحنه التفاصيل".
وبين سطور الرسالة، يتجلى أن هذا الوداع لم يكن مجرد حزن على فقد، بل حزن على انطفاء عقل كان يضيء بالأسئلة، وصوت كان يشبه المطر، يهمس ويهز في آن واحد.
هذا، وقد شهدت مدينة الكوت في محافظة واسط حادثةً مأساوية، إذ اندلع حريق في مول "الهايبر ماركت" وسط المدينة، وأسفر عن سقوط 63 ضحية و40 مصاباً.
ووصفت هذه الحادثة بالفاجعة، إذ التهمت النيران أطفالاً ونساءً ورجالاً داخل المول، لتُعلن المحافظة الحداد لثلاثة أيام على أرواح الضحايا.
وقضت رغد وأربعة من أفراد عائلتها في الحريق الذي اندلع داخل هايبر ماركت بمدينة الكوت.
رغد، طالبة في جامعة البصرة، كانت تستعد لمناقشة رسالتها الجامعية في الثامن والعشرين من الشهر الحالي.
نعاها أساتذتها وزملاؤها في الجامعة، واصفين إياها بـ”الأستاذة المثابرة”، مستذكرين مواقفها النبيلة وحضورها الآسر.