الديرة - متابعة
في تحول لافت قد يُعيد رسم خارطة العلاقات النفطية في المنطقة، يسلّط تلفزيون "الديرة" الضوء على القرار التركي الأخير بإنهاء الاتفاق النفطي مع العراق بحلول تموز 2026، وهو إعلان حمل بين سطوره أبعادا سياسية واقتصادية تتجاوز حدود التعاقد القانوني.
القرار، الذي جاء على لسان الرئيس رجب طيب أردوغان، يُعد خطوة استباقية لإعادة ضبط العلاقة مع بغداد على أسس جديدة، وسط صمت رسمي عراقي، وأسئلة كثيرة حول تداعياته على مستقبل صادرات النفط وخريطة مشاريع الطاقة في المنطقة.
في هذا التقرير، نستعرض أبعاد هذه الخطوة، ونحلل رسائلها الخفية، وتأثيرها المحتمل على المشاريع الإقليمية، وأبرزها مشروع "طريق التنمية"، الذي تراهن عليه بغداد كمنفذ استراتيجي نحو البحر المتوسط.
ويحمل القرار رسائل عدة واضحة تتمثل بأن توقف ضخ النفط عبر خط كركوك–جيهان منذ آذا 2023 كبّد الطرفين خسائر اقتصادية فادحة، لكن أنقرة اختارت أن تتعامل مع الملف بطريقة استراتيجية، حيث أن تحديد موعد نهائي لإنهاء الاتفاق لا يعني قطع العلاقة، بل يمثل ورقة ضغط دبلوماسية، توجه بها تركيا رسالة مفادها أن العودة إلى الصيغة القديمة لم تعد مطروحة، وأن المرحلة المقبلة تتطلب إطارًا تفاوضيًا جديدًا.
من خلال هذه الخطوة، تسعى أنقرة إلى تجاوز النزاع القانوني الذي نشب عقب حكم المحكمة الدولية بشأن صادرات الإقليم عبر ميناء جيهان. تركيا لا تريد الاستمرار باتفاق لم يعد يخدم مصالحها، بل تسعى لاتفاقية جديدة تعكس التحولات الجيوسياسية والاقتصادية، وتضمن لها دورًا محوريًا كممرّ إقليمي للطاقة.
ويرتبط القرار التركي أيضًا بمشروع "طريق التنمية" الذي تسعى بغداد إلى تنفيذه بدعم إقليمي ودولي، فيما تحاول أنقرة دمج خط الأنابيب النفطي ضمن هذا المشروع العملاق، ما يعزز من أهمية الخط ليس فقط كممر للنفط، بل كجزء من شبكة لوجستية إقليمية متكاملة.
وتفسر هذه الخطوة أيضًا كمحاولة تركية لمواجهة التحفّظات الإيرانية تجاه المشروع، والتي ظهرت عبر رسائل غير رسمية خلال الأشهر الماضية.
ويحمل القرار أيضا دلالة أخرى على أن تركيا، التي استثمرت مبالغ ضخمة في صيانة وتحديث البنية التحتية لخط كركوك–جيهان، لم تعد مستعدة للقبول بترتيبات قانونية لا تضمن لها عوائد اقتصادية مستقرة ولا تعترف بأهمية الخط كأداة استراتيجية إقليمية، وأن إنهاء الاتفاق هو خطوة استباقية تفتح الباب لاتفاق يضمن مصالحها على المدى الطويل ويكرّس دورها كمركز إقليمي للطاقة.