الديرة - خاص
في انتصار للعدالة وضربة قاسية للممارسات المنحرفة، حصل الرئيس محمد الحلبوسي على براءة كاملة من جميع التهم الموجهة إليه، مما يكشف حجم الفضيحة التي ارتكبها رئيس المحكمة الاتحادية السابق جاسم العميري عندما أبعده عن رئاسة البرلمان في تشرين الثاني 2023 بطريقة تتعارض مع الدستور.
وجاءت البراءة، لتؤكد أن قرار الإقالة كان مدبراً ومخططاً له سلفاً، وأن العميري استخدم منصبه القضائي لتصفية حسابات سياسية وليس لحماية الدستور كما يفترض.
الخبير القانوني الدكتور عصام الشاوي يفجر مفاجأة قانونية صادمة، مؤكداً أن إقالة الرئيس الحلبوسي تمت "خارج نص المادة 52 من الدستور"، وأن المحكمة الاتحادية برئاسة العميري "تجاوزت الحدود الدستورية الصارمة"، في قرار يعتبره انحرافاً واضحاً بالاختصاص الدستوري.
انتهاك دستوري صارخ
كشفت براءة الرئيس محمد الحلبوسي من جميع التهم الموجهة إليه في الرابع والعشرين من شهر نيسان الماضي، حجم الانتهاكات الدستورية والقانونية التي ارتكبها رئيس المحكمة الاتحادية السابق جاسم العميري.
وقد تضمن قرار البراءة رد الشكاوى وإلغاء التهم وإغلاق التحقيق مع مصادقة محكمة التمييز الاتحادية، مما يؤكد أن قرار الإقصاء كان باطلاً من أساسه ويستند إلى مزاعم لا أساس لها من الصحة.
الرئيس الحلبوسي علق على البراءة بتدوينة على منصة إكس قائلاً: "حين سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق، فالحق يعلو ولا يُعلى عليه"، في إشارة واضحة إلى تبرئة ساحته من الاتهامات المفبركة.
وفقاً للخبير القانوني الدكتور عصام الشاوي، فإن "من المبادئ الدستورية الراسخة، أن البتّ في صحة عضوية أعضاء مجلس النواب هو من اختصاص المجلس نفسه، ولا يكون للمحكمة الاتحادية أي دور في هذا الشأن إلّا بطلب الطعن في قرار يصدر عن مجلس النواب بأغلبية الثلثين، كما نصت المادة (52) من الدستور".
وأوضح الشاوي أن المادة تنص على أن "يبت مجلس النواب في صحة عضوية أعضائه، خلال ثلاثين يوماً من تاريخ تسجيل الاعتراض، بأغلبية ثلثي أعضائه وأنه يجوز الطعن في قرار المجلس أمام المحكمة الاتحادية العليا خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره".
خروقات قانونية فاضحة
وأكد الخبير القانوني أن "ولاية المحكمة الاتحادية في هذا الموضوع رقابية لاحقة لا تُمارَس إلّا بتوافر ثلاثة شروط مجتمعة: صدور قرار من البرلمان، أغلبية الثلثين، والطعن في المهلة المحددة".
لكن الشاوي كشف أن "المحكمة الاتحادية، برئاسة جاسم العميري، تجاوزت هذه الحدود الدستورية الصارمة، وذلك عندما أصدرت حكمها بالعدد (9/اتحادية/2023) بتاريخ 14 تشرين الثاني 2023، والذي قضى بشكل مفاجئ بإنهاء عضوية الرئيس محمد الحلبوسي من مجلس النواب، رغم أن الدعوى الأصلية لا تتعلق بذلك أصلاً".
وأوضح الخبير القانوني أن "ما جرى في هذه القضية لم يكن سوى انحرافٍ واضح بالاختصاص الدستوري للمحكمة، وإقحامٍ متعمّد منها في صراع سياسي بين أطراف متخاصمة"، مشيراً إلى أن "الدعوى التي أقامها ليث الدليمي، كانت في أصلها تتعلق بطلب إبطال الأمر النيابي رقم (5) لسنة 2023 المتعلق بقبول استقالته".
وفجر الشاوي مفاجأة أخرى بقوله إن "المحكمة، وقبل يوم واحد فقط من إصدار الحكم، قبلت طلباً جديداً من المدعي نفسه يقضي ببطلان عضوية محمد الحلبوسي، وهو ما لم يكن واردا في عريضة الدعوى، وتم البت فيه دون أن تُمنح الخصومة الفرصة للرد، مما يثير الشكوك حول حيادية المحكمة وسلامة إجراءاتها".
وأشار الخبير القانوني إلى أن "دعوى إنهاء عضوية محمد الحلبوسي لا تستند إلى أي قرار صادر من مجلس النواب حتى تنهض رقابة المحكمة عليه، وبالتالي فإنها واجبة الرد شكلاً منذ الجلسة الأولى، لأنها لا تقع ضمن ولاية المحكمة الاتحادية بموجب الدستور أو أي قانون آخر، سواء قانون الانتخابات أو قانون المحكمة نفسها".
إقصاء تحت الضغط
وكشف الدكتور الشاوي أن "الأدهى، هو أن المحكمة استندت في قرارها إلى مزاعم تزوير في ورقة استقالة النائب المدعي، واعتبرتها سبباً لبطلان عضوية رئيس المجلس، دون أن يكون هناك أي حكم جزائي بات يثبت التزوير، وهو خرق فاضح للقاعدة القانونية المستقرة بأن التزوير لا يُثبت إلا بحكم جزائي بات صادر من المحكمة المختصة".
وأضاف الخبير القانوني أن "المحكمة أضافت خرقاً آخر عندما قبلت تدخل النائب باسم خشان كخصم في الدعوى إلى جانب المدعي رغم أنه لا صفة له ولا علاقة له بالموضوع، ما يكشف وجود رغبة في خلط الأوراق واستغلال الدعوى لتوجيه ضربات سياسية لخصوم بعينهم".
وأوضح الشاوي أن "الحكم الصادر، فقد كان فادحاً في خروقه: فقضى أولاً بإلغاء الأمر النيابي المتعلق باستقالة المدعي، وثانياً بإلغاء عضوية المدعي نفسه من البرلمان، وثالثاً بإنهاء عضوية محمد الحلبوسي، دون أن تكون هناك دعوى أصلية أو صفة قانونية للطرفين في هذا الشأن".
وتابع الخبير القانوني بالقول: "وكل ذلك تم رغم أن الدعوى أُقيمت ضد الحلبوسي بصفته الوظيفية وليس بشخصه، ما يعني أن الحكم عليه شخصياً غير جائز قانوناً".
الخلاص من الابتزاز
اقدم العميري على تقديم استقالته من منصب رئاسة المحكمة الاتحادية في 30 حزيران الماضي وقد تم الإعلان أن هذا القرار جاء لأسباب صحية، لكن الحقيقة أن هذا القرار جاء نتيجة ضغوط سياسية كبيرة للخلاص من العميري الذي حول المحكمة الاتحادية إلى "بازار للابتزاز السياسي" حسب مصادر مطلعة.
وقد اتسمت فترة تولي العميري للمنصب بقرارات يراها المراقبون سياسية وغير قانونية ودستورية، تسببت بأزمات سياسية كبيرة في البلد، كان أبرزها إقالة الرئيس الحلبوسي بطريقة مخالفة للدستور.
وختم الدكتور الشاوي حديثه بالقول: "إن أي محكمة اتحادية محترمة، تلتزم بالدستور والقانون، كانت ستحسم هذه الدعوى من أول جلسة بردّها شكلاً لعدم الاختصاص، لكن ما حصل يؤكد أن المحكمة في عهد جاسم العميري كانت تتحرك وفق رغبات سياسية لا وفق نصوص الدستور، وأن رئيسها استغل موقعه القضائي للتأثير في موازين القوى السياسية، وليس لحماية الدستور".