الديرة - الرمادي
يعيش العراقيون ساعتين كاملتين من العزلة الرقمية بعد أن قررت وزارة الاتصالات قطع خدمة الإنترنت في عموم البلاد أثناء أداء امتحانات الدور الثاني لطلبة السادس الإعدادي.
القرار الذي جاء بطلب من وزارة التربية لـ ”منع تسريب الأسئلة”، أعاد إلى الواجهة أزمة الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة، وخصوصاً وزارة التربية.
ملايين العراقيين بلا إنترنت
ملايين العراقيين وجدوا أنفسهم رهائن قرار لا يمسهم بشكل مباشر، لكنه فرض عليهم تعطيل أعمالهم ودراستهم، وتعاملاتهم المصرفية والتجارية، وحتى تواصلهم مع العالم الخارجي.
وفضلا عن ذلك فإن قطاع الأعمال الرقمية وشركات التوصيل، وخدمات النقل الذكية وحتى المعاملات الحكومية الإلكترونية، جميعها توقفت بسبب امتحانات الدور ثانوي.
أزمة ثقة تتحملها وزارة التربية
قطع الإنترنت بهذا الشكل يعكس فقدان الثقة بمؤسسات وزارة التربية، فمن المفترض أن الوزارة مسؤولة عن حماية سرية الأسئلة وتنظيم الامتحانات بكفاءة، لكن الواقع يثبت العكس، وفق قراءة المراقبين.
تاريخياً، شهد العراق فضائح متكررة بتسريب الأسئلة الوزارية، ما جعل الحكومة تلجأ إلى الحل “الأسهل والأكثر كلفة” وهو حرمان الملايين من خدمة أساسية بدلاً من معالجة الخلل من جذوره.
يقول مواطنون: "إذا كانت الثقة مفقودة في وزارة التربية، كيف يمكن لها أن تدير العملية التعليمية في العراق بهؤلاء الشخوص الذين يقودونها".
فيما يحمّل آخرون، "الحزب المستحوذ على التربية، الذي حوّلها إلى مكان فاقد للثقة، يقطع الإنترنت عن ملايين العراقيين بسبب امتحانات ثانوية".
من بيع الأسئلة إلى عقود الطباعة
الأزمة الحالية لا يمكن فصلها عن ملف الفساد المستشري داخل وزارة التربية، والذي يتمثل ببيع الأسئلة الوزارية التي تحولت في أكثر من مرة إلى مادة جدلية ما أفقد الامتحانات قيمتها التربوية.
يضاف الى ذلك ملفات الطباعة الخاصة بالكتب المدرسية والتي تخضع منذ سنوات لشبهات فساد، إذ تُمنح العقود لشركات محددة مقابل عمولات مالية، بعيداً عن الشفافية والتنافس العادل.
تتفق الكثير من الآراء النيابية والمراقبين للعملية التربوية، على أن "تدخلات السامرائي في إدارة التربية، جعلها عرضة للفساد، الذي يبدأ من بيع الأسئلة إلى فساد الطباعة".
من يدفع الثمن؟
المتضرر الأكبر من هذه السياسات هو المواطن العراقي، فالطالب يفقد الثقة بمخرجات العملية التربوية، والمواطن العادي يُحرم من خدمة الإنترنت الأساسية، ما يضرب حياته اليومية، وكذلك الاقتصاد الرقمي، الذي بدأ يشكل شرياناً مهماً للمعاملات التجارية والخدمات، يتلقى ضربة جديدة في بلد يحتاج بشدة إلى تنمية اقتصاده.
قطع الإنترنت لمدة ساعتين بسبب امتحانات الدور الثاني ليس مجرد إجراء إداري، بل دليل صارخ على أزمة الثقة والفساد البنيوي في وزارة التربية، وفق ما يقول المحللون.
وكان رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، قد أكد في وقت سابق، أن قطع الانترنت من قبل وزارة الاتصالات طيلة فترة الامتحانات يمثل انتهاكا صارخا للمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية التي كفلت الوصول إلى المعلومات من خلال الخدمات الرقمية المرتبطة بالإنترنت.
وأضاف فاضل الغراوي في بيان، أن "قطع الانترنت يلحق خسائر بالعراق تصل الى ملايين الدولارات تمثل ما مقداره 0.5 من الناتج المحلي الإجمالي في البلاد، مع ايقاف نسبة 20% من الاتصالات عبر كافة الشبكات المحلية عن طرق خدمة الانترنت".