الديرة - متابعة
نشرت صحيفة الغارديان البريطانية تحقيقاً ميدانيّاً موسعاً حول واقع السوريين بعد سنوات الحرب وسقوط النظام، مسلطة الضوء على قصص إنسانية وسط موجة المجازر التي ضربت مناطق عدة، من الساحل إلى السويداء، بما في ذلك الصراع على الهوية الطائفية ومآسي الطوائف المختلفة.
في آذار، كان منير،" علوي معتقل سابق قضى سنوات في سجون نظام بشار الأسد"، محاصراً مع زوجته وولديه في شقته بحي القصور في مدينة بانياس. في تلك الليلة، داهمت مجموعات مسلحة وعناصر تابعه لوزارة الدفاع الجديدة المنطقة، وكانت تطرح سؤالاً واحداً على السكان: «هل أنت سني أم علوي؟».
حسب شهادات منير التي نقلتها الغارديان، الإجابة تحدد مصيرهم مباشرة؛ ويذكر أنه فقد شقيقه وابن شقيقه على سطح بناية بعد أن أعلنوا هويتهم العلوية.
رغم الخطر، خرج صديقه السني أنس من حيّه في مدينة بانياس ، وجرى عبر طرق جانبية حتى وصل إلى شقة منير. التقى العائلة وسط إطلاق نار مستمر. اصطحبهم أنس بسيارته إلى مكان آمن.
يروي منير للصحيفة: «لقد أنقذ حياتي وحياة أولادي. لم يكن أحد غيره ليفعل ذلك».
بعد أيام قليلة، عاد منير خفيةً إلى حي القصور. هناك واجه مشهداً من الدمار والجثث في الشوارع، وبيوتاً محترقة، وجدراناً مغطاة بالسواد. قال للصحيفة: «مشيت بينهم ولم أتعرف إلا على عدد قليل، كثيرون كانوا مجرد أجساد صامتة. لم أصدق أن هذا حيّي، وأن هؤلاء كانوا جيراني بالأمس».
تورد الغارديان أيضاً شهادات عدة عن الشبان السنة الذين اعتقلهم نظام بشار الأسد. أحدهم قضى أكثر من عشر سنوات في السجن لمجرد الشبهة بالانتماء للمعارضة، وعند خروجه وجد أن العنف لم يتوقف، وأن الدولة الجديدة لم توفر أي ضمانات للسلامة أو العدالة.
ووفقاً لتقرير الغارديان، لم تقتصر المجازر على الساحل. ففي السويداء، شهدت المجتمعات الدرزية موجة من الهجمات الانتقامية أسفرت عن مقتل مئات المدنيين، وشبهت الصحيفة هذه الأحداث بما حصل في الساحل، بما في ذلك الإعدامات الجماعية ونهب المنازل، لتبرز نمطاً مكرراً من العنف الطائفي الانتقامي.
تسلط الغارديان الضوء أيضاً على وضع الطوائف المختلفة بعد سقوط نظام بشار الأسد وسيطرة "هيئة تحرير الشام" على الحكم . فالشيعة محرومون من ممارسة شعائرهم الدينية، وتكررت حالات الخطف والقتل بحق أبنائهم. المسيحيون يواجهون تضييقاً على كنائسهم وأملاكهم، وأُجبرت عائلات بأكملها على الهجرة خوفاً من الاستهداف. الدروز في دمشق وريفها يعيشون بين الاعتقالات والقيود على التنقل، وسط شعور دائم بالخطر. أما الأكراد، الذين عانوا التهميش من نظام الأسد، وجدوا أنفسهم تحت إدارة جديدة لا تعرف منطقاً أو سياسة، ولا تعمل وفق قانون دولة، وفق ما ذكرته الصحيفة.
وأشارت الغارديان إلى أن خيار الأكراد الواقعي أصبح اللامركزية، مع صعوبة التواصل مع الحكومة السورية الجديدة.
تخلص الغارديان إلى أن السوريين، بغض النظر عن طوائفهم، يعيشون تحت وطأة خوف دائم وألم مستمر، وسط غياب العدالة والمحاسبة. لكن قصص مثل قصة منير وأنس تظل تذكيراً بأن الإنسانية يمكن أن تصمد، حتى في أحلك الظروف، وأن المصالحة الحقيقية لن تتحقق إلا بوجود نظام يضمن المساواة والعدالة لكل السوريين.