الديرة - الرمادي
يشهد العراق جدلاً واسعاً بعد تأخر صرف رواتب المتقاعدين لشهر اب، الأمر الذي أثار موجة استياء ومخاوف عميقة بين
مئات آلاف الأسر التي تعتمد كلياً على هذه الرواتب لتأمين حاجاتها الأساسية.
مناشدة شعبية ساخرة.. وجع حقيقي
الصحفية والناشطة منار الزبيدي خاطبت رئيس الوزراء محمد شياع السوداني بلهجة تجمع بين السخرية والمرارة، قائلة:
“مرحباً عمو، اعتذر لازعاجك، بس المتقاعدين/ات راسلوني يكولون ماعندنا غير تفاليس الراتب.. نريد نروح للطبيب ونشتري دوة وندفع إيجار.. ماحصلنا قطعة أرض ولا عدنا مورد غير هذا الراتب.. حتى أبو المخضر ننتظر نوفّي ديونه”.
كلمات الزبيدي اختصرت حجم الأزمة الاجتماعية التي يعيشها المتقاعدون، وهم شريحة واسعة لا تملك أي دخل بديل ولا قدرة على العمل، ما جعل الراتب الشهري شريان الحياة الوحيد.
ناقوس الخطر
الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي حذّر من أن المشكلة لن تتوقف عند المتقاعدين، بل ستمتد إلى موظفي الدولة، موضحاً أن أموال النفط لم تعد تكفي لتغطية الرواتب، فيما تراجعت قدرة الحكومة على الاقتراض الداخلي وخصم الحوالات.
وقال المرسومي بلهجة تنبيهية:
“عليكم بالأحزمة، فقد تحتاجون إليها قريباً.. واللي ما يصدگ خل يروح يشرب من شط العرب”.
وفي تصريح آخر، أوضح المرسومي أن كل إيرادات النفط بعد دفع نفقات جولات التراخيص والاتفاقية العراقية الصينية بالكاد تكفي للرواتب، التي تصل إلى 7.5 تريليون دينار شهرياً، أي نحو 90 تريليون دينار سنوياً.
وأكد أن "هذا هو الشهر الثاني على التوالي الذي يتأخر فيه الصرف بسبب انتظار تحويلات أموال النفط، متوقعاً أن يبقى موعد صرف رواتب المتقاعدين “مفتوحاً بلا سقف زمني”.
وأشار المرسومي إلى أن دفع رواتب إقليم كردستان (800 مليار دينار) قبل أيام من موعد استحقاق المتقاعدين أثّر بشكل مباشر على القدرة على صرف الرواتب، وهو ما يعكس حجم الضغط على السيولة.
بدوره اعتبر الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه أن عدم صرف رواتب المتقاعدين في موعدها يمثل ناقوس خطر سينعكس سريعاً على الأسواق، عبر تراجع القوة الشرائية وارتفاع الطلب النقدي، ما يفاقم الأوضاع المعيشية.
تناقض الروايات الرسمية
ورغم تأكيدات متكررة من وزارة المالية بأن “الرواتب مؤمّنة” وأن “لا نقص في السيولة”، إلا أن تكرار التأخير في الصرف خلق فجوة ثقة بين الشارع والحكومة، إذ يرى المواطنون أن التصريحات لا تنعكس على أرض الواقع.
ارتباك الأسواق والمخاوف المقبلة
التأخير المتكرر لا يقتصر أثره على الأسر المتقاعدة، بل ينعكس على الحركة الاقتصادية في الأسواق، حيث يتردد التجار في البيع بالدين أو الآجل، فيما يتضاعف الضغط على الأسر ذات الدخل المحدود.
الأخطر، بحسب المراقبين، أن استمرار هذه الظاهرة ينذر بتحولها إلى أزمة هيكلية في إدارة المالية العامة، ما قد يضع الحكومة أمام تحديات أكبر في الأشهر المقبلة.
أزمة تأخر رواتب المتقاعدين في العراق لم تعد مجرد خلل إداري مؤقت، بل تحوّلت إلى مؤشر خطير على ضغوط مالية واقتصادية تواجه الدولة. وبين مناشدات المتقاعدين الساخرة الممزوجة بالوجع، وتحذيرات الخبراء من شمول الموظفين لاحقاً، يبقى السؤال مفتوحاً:
هل تملك الحكومة خطة واضحة لتأمين الرواتب بانتظام، أم أن العراقيين مقبلون على مرحلة تقشّف قسري يلتهم قوت يومهم؟