آخر الأخبار


لا إسقاط للنظام ولا مواجهة مباشرة.. واشنطن تختار الخيار الثالث في العراق!

  • A+
  • A-

 الديرة -  الرمادي 


يقف العراق اليوم عند مرحلة انتقالية حساسة، تتزامن مع انتهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة (يونامي)، واستكمال الاستحقاقات الدستورية، وتزايد المؤشرات القادمة من واشنطن بشأن طبيعة العلاقة في المرحلة المقبلة.

 وبينما ارتبط الحضور الأمريكي في العراق لعقود بالأبعاد العسكرية والأمنية، توحي التطورات الأخيرة بأن الولايات المتحدة تتجه نحو مقاربة مختلفة، أقل صدامية وأكثر براغماتية، تقوم على مزيج من الدعم المشروط، والضغط السياسي غير المباشر، والانفتاح الاقتصادي.


إشارات واشنطن


تصريحات مارك سافايا مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب،، عكست بوضوح ملامح هذه المقاربة الجديدة، فقد أكد استعداد الولايات المتحدة لدعم العراق، لكنه ربط هذا الدعم بالحفاظ على مسار الاستقرار، ووحدة القرار، وتعزيز مؤسسات الدولة.

لغة سافايا لم تتضمن تهديداً مباشراً أو فرض خيارات، بل ركزت على مفاهيم مثل "القيادة المسؤولة"، و "وحدة الهدف"، في إشارة إلى أن واشنطن ترى مستقبل علاقتها مع بغداد مرهوناً بقدرة النخبة السياسية العراقية على إنتاج حكومة مستقرة، قادرة على اتخاذ قرارات سيادية واضحة، بعيداً عن الازدواجية أو الفوضى السياسية.


ويرى مراقبون أن العلاقة بين بغداد وواشنطن تتجه نحو صيغة جديدة تقوم على المواءمة لا الصدام، وعلى النفوذ غير العسكري بدل التدخل المباشر، علاقة تسعى فيها الولايات المتحدة إلى حماية مصالحها عبر الاستثمار والضغط السياسي.

بوابة الاقتصاد


يمثل الاقتصاد المدخل الأبرز في التحول الجاري بالعلاقة بين بغداد وواشنطن. فدعوة الحكومة العراقية للشركات الأمريكية الكبرى، ولا سيما في قطاع الطاقة، تعكس توجهاً واضحاً لتحويل العلاقة من إطار أمني إلى شراكة اقتصادية طويلة الأمد.

وفي هذا السياق، يرى الخبير في مجال الطاقة دريد عبدالله أن دعوة العراق للشركات الأمريكية تُعد خطوة ناجحة ومهمة تسهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية، وتمثل محاولة لتهيئة الأجواء وإعادة تنشيط العلاقات مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية. 

ويؤكد عبدالله أن هذه الدعوة تشكل فرصة حقيقية لزيادة الاستثمارات الأمريكية في العراق، بما ينسجم مع توجّه الحكومة لبناء علاقات جديدة ومتوازنة.


وتبرز مفاوضات استثمار حقل غربي القرنة-2، بعد انسحاب شركة "لوك أويل" الروسية، كمؤشر عملي على هذا التحول، حيث ينظر إلى دخول شركات أمريكية كبرى بوصفه خطوة تخدم المصالح المشتركة، وتعزز استقرار سوق الطاقة، وتمنح العراق هامش حركة أوسع في شراكاته الدولية.


مؤشرات المرحلة المقبلة


يمثل انتهاء مهمة بعثة الأمم المتحدة محطة مفصلية تُطوى معها صفحة طويلة من تاريخ العراق المرتبط بالحروب والعقوبات، ويقترب البلد أكثر من نموذج "الدولة الاعتيادية".

وتتقاطع هذه الخطوة مع مؤشرات أخرى توضح كيفية تعامل الولايات المتحدة مع العراق مستقبلًا، من بينها انتهاء تفويض الكونغرس للرئيس الأمريكي بشن الحرب على العراق، وغياب العراق عن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي التي أعلنت مؤخراً، ما يعكس تراجع موقعه كأولوية أمنية مباشرة.


في المقابل، يواصل الكونغرس استخدام أدوات ضغط سياسية، مثل ربط جزء من المساعدات الأمنية بتحقيق تقدم في ملف السلاح خارج إطار الدولة، ما يشير إلى تفضيل واشنطن إدارة علاقتها مع بغداد عبر الضغط المؤسسي بدل المواجهة المباشرة.

سياسياً، تُظهر المواقف الأمريكية قدراً من الرضا العام، وإن بتحفظ، عن أداء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، مع قبول مبدئي باستمراره، في إطار السعي للحفاظ على الاستقرار وتجنب سيناريوهات التغيير غير المحسوبة.


وتشير هذه المعطيات مجتمعة إلى أن سيناريو إسقاط النظام في العراق بات ضرباً من الخيال في التفكير الأمريكي، فالولايات المتحدة تمتلك أوراق ضغط كافية لتحقيق مصالحها دون اللجوء إلى الحروب أو تغيير الأنظمة، مع تفضيلها العمل عبر الاقتصاد والدبلوماسية وإعادة ترتيب النفوذ.