الديرة - الرمادي
ليس مجرد لقب يتداوله الناس.. بل هو انتماء راسخ لمدينة كانت ولا تزال شاهدة على التاريخ، مدينة عنه، التي تمثل هوية حضرية وتأريخية ومنها جاء لقب “العاني”، الذي يحمله أبناؤها بكل فخر.
العانيّون، لا يجمعهم نسب عشائري واحد.. بل وحّدهم حب المدينة.. وينتمون إلى قبائل شتى من العراق وبلاد الشام، بل حتى من أصول غير عربية، لكنهم جميعاً انتسبوا إلى عنه… لا إلى عشيرة … وتمسكوا بالانتماء إلى الأرض.
ورغم اختلاف ملامحهم وأصولهم، يظل الرابط الأقوى هو عشقهم لعنه.. بعضهم يحمل سمات بيضاء نتيجة الزواج من بنات الشام، لكن ذلك لا يعني أن العانيين متشابهون.
لقد كانت عنه مركزاً حيوياً للتجارة والزراعة، بموقعها الجغرافي المهم على نهر الفرات فهي نقطة التقاء بين الجنوب، والغرب، والشمال… ومنها كانت قوافل التجارة تنطلق وتزدهر معها الحرف والصناعات
المؤرخ والأكاديمي غسان متعب الهيتي، تحدث لتلفزيون "الديرة" قائلاً: إن "الآثاريين ينسبون اسم عنه إلى زوجة الإله إيل، (أنانات)، التي كانت تُعبد في مدن أعالي الفرات.. أما اللغويون فلهم تصريف آخر لأصل الكلمة".
تاريخ عنه، غني بالحضارات التي مرت بها السومرية، والأكدية، والبابلية، والآشورية، والأمورية، ووصولاً إلى مملكة ماري.
أما التنقيبات الأثرية، فقد أثبتت وجود المدينة حتى قبل الحضارة السومرية ما يجعل من عنه مدينة ضاربة في عمق الزمن.. وتشير المصادر الأكدية، البابلية، والآشورية، إلى عنه باعتبارها واحدة من أقدم المدن، وقد سبقت في وجودها مملكة تلبس، التي نشأت لاحقاً.
وجزيرة تلبس، فلا تفصلها عن عنه سوى 14 كيلومتراً، ما يجعلها امتداداً جغرافياً وتاريخياً للمدينة الأم.
في سبعينات القرن الماضي، تغيّر المشهد… حين تقرر بناء سد حديثة على نهر الفرات لخزن المياه، ليغمر مدينة عنه القديمة بالكامل في العام 1984.
وبدل المدينة الغارقة، ولدت مدينة جديدة قرب بحيرة القادسية.. سميت عنه الجديدة وبقيت آثار عنه القديمة مغمورة تحت الماء، لكنها لم تغب عن الذاكرة.
ومن هنا جاءت التسميتان: عنه القديمة… وعنه الجديدة.
وعن "العانيين"، يقول المؤرخ الأكاديمي، إنهم "من أصول قبلية مختلفة لكنهم يعتزون بمدينتهم فانتسبوا اليها مثلهم، مثل الهيتي والحديثي والبصري والموصلي والبغدادي وهذا دلالة على حضرية سكان المدينة ومدنيتهم".
ويوضّح، أن "أنساب سكان مدينة عنه يعود الى العشائر والقبائل العربية التي تمتد جذورهم العائلية اليها حيث سكن أبناء هذه العشائر المختلفة المدينة، وكل منهم يعرف نسبه، إلا أنهم غادروا النسب العشائري الى الانتساب للمدينة بإرادتهم، ولا تقتصر أصولهم على عشائر العراق بل تمتد الى عشائر بلاد الشام، لا بل ان البعض منهم من أصول غير عربية وتلقب بالعاني حبا وانتمائا للمدينة".
عمل سكان مدينة عنه، شأنهم شأن سكان المدن الأخرى في الزراعة والمهن والحرف الأخرى التي تحتاجها المدينة الى جانب التجارة التي كان لموقع عنه الجغرافي اثر في نموها وازدهارها حيث كانت حلقة وصل بين جنوب المدينة وغربها وشمالها وصولا الى بلاد الشام، وفق ما يقول المؤرخ الهيتي.
ويضيف الهيتي، أن "ذكر مدينة عنه موجود في الكتابات الاكدية والبابلية والاشورية، والتي هي اقدم من وجود مملكة تلبس 884ق.م وجزيرة تلبس يمكن اعتبارها جزء من مدينة عنه حيث لا تبعد عن عنه القديمة الا 14 كم".