الديرة - الرمادي
في ظل تأخر إقرار موازنة عام 2025 وسط مخاوف من تكرار سيناريو سنوات سابقة شهدت غياب الموازنة، يتساءل العراقيون عن جدوى "الموازنة الثلاثية" التي طُرحت كحل استراتيجي لتحقيق الاستقرار المالي.
وتبدو فكرة الموازنة الثلاثية التي أقرها العراق سابقاً مجرد "شعار فارغ" في ظل الإجراءات العملية التي تتطلب إعادة إقرار الجداول المالية سنوياً، فالمادة 77/ثانياً من قانون الموازنة العامة الاتحادية تنص على تقديم وزارة المالية جداول الموازنة سنوياً، مع التعديلات التي تطرأ على النفقات التشغيلية والاستثمارية.
ومع اقتراب منتصف 2025، لا تزال موازنة هذا العام معلقة في أروقة البرلمان، وبحسب تصريحات سابقة لمظهر محمد صالح، مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، فإن الحكومة كانت تتوقع وصول جداول الموازنة إلى البرلمان قبل نهاية شهر رمضان الماضي، وهو ما لم يتحقق حتى الآن.
وهم الاستقرار المالي
جمال كوجر، عضو اللجنة المالية النيابية، كان صريحاً في تقييمه للموازنة الثلاثية، حيث أكد أنها "لا تحمل أي إيجابيات"، مضيفاً: "العجز المخطط أصبح واقعاً ملموساً، إذ يستمر صرف الفائض خلال السنة المالية ذاتها، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية."
وفي السياق ذاته، أعربت الخبيرة الاقتصادية سلام سميسم عن قلقها الشديد بشأن اعتماد العراق على الموازنة الثلاثية.
وقالت سميسم، إن "الموازنة الثلاثية ادت إلى تفاقم الديون على المدى الطويل، خاصةً مع استمر العراق في تمويل العجز من خلال الاقتراض، ما يهدد بتدهور الوضع المالي في السنوات المقبلة".
وأضافت: "سبق وحذرنا من إقرار الموازنة الثلاثية كونها لا تعطي المرونة الكافية للحكومة في مواجهة التغيرات الاقتصادية المفاجئة، مثل تقلبات أسعار النفط، التي تشكل المصدر الرئيسي للإيرادات في العراق".
وأشارت سميسم إلى أن "زيادة الإنفاق الحكومي على مدار ثلاث سنوات ساهم في زيادة معدلات التضخم في البلاد، مما يؤثر سلبًا على الاستقرار الاقتصادي ويقلل من قدرة المواطنين على تلبية احتياجاتهم الأساسية".
تداعيات التأخير
يتسبب تأخير إقرار الموازنة في أزمة اقتصادية متعددة الأبعاد، إذ أشار كوجر إلى أن "العديد من المشاريع المقررة توقفت نتيجة عدم تسديد مستحقات الشركات، فضلاً عن أخطاء بعض المحافظين الجدد، مما زاد من تعقيد المشهد الاقتصادي."
من جهته أوضح الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه أن "عدم اليقين المالي الناتج عن التأخير يؤدي إلى تراجع ثقة المستثمرين، ما يدفع العديد من الشركات المحلية والأجنبية إلى تجميد أو تأجيل المشاريع التنموية."
وأضاف عبد ربه خلال حديث خاص لتلفزيون "الديرة":، أن "العراق يعتمد كثيراً على الإنفاق الحكومي لتحفيز النشاط الاقتصادي، ومع غياب الموازنة، تتوقف العديد من المشاريع الحكومية، ما يسبب ركوداً اقتصادياً، ويؤثر تحديداً على المشروعات الصغيرة والمتوسطة."
سيناريو متكرر
ومع اقتراب الانتخابات البرلمانية في 2025، تتزايد المخاوف من تكرار سيناريو السنوات السابقة التي شهدت غياب الموازنة في السنوات الانتخابية، هناك مخاوف من أن يتم توجيه الأموال المخصصة للموازنة نحو الإنفاق على العملية الانتخابية، مما يعمق الأزمة المالية.
الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي حذر من احتمال عدم إقرار موازنة عامة للعراق في 2025، مشيراً إلى نمط تاريخي يربط بين السنوات الانتخابية وغياب الموازنات، حيث قال: "العراق شهد غياباً للموازنة العامة في ثلاث سنوات سابقة هي 2014 و2020 و2022، اثنتان منها كانتا سنوات انتخابية."
وتابع المرسومي، أن "المشكلة الحقيقية تكمن في العجز المالي المستمر والاعتماد المفرط على عائدات النفط، مع غياب الإصلاحات الهيكلية التي يمكن أن تنوع مصادر الدخل وتقلل من الإنفاق الحكومي المتضخم، خاصة في ظل تقلبات أسعار النفط عالمياً واعتماد سعر 70 دولاراً في الموازنة، فيما تتجه الأسعار العالمية إلى الهبوط."
في النهاية، سواء كانت الموازنة سنوية أو ثلاثية، يبقى التحدي الأكبر هو معالجة الخلل الهيكلي في الاقتصاد العراقي وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيسي للدخل.