آخر الأخبار


أنفاس العراقيين تختنق بالغبار والخسائر تصل لمليون دولار يومياً!

  • A+
  • A-

 الديرة - الرمادي


يخسر العراق ما يقارب مليون دولار يومياً بسبب العواصف الترابية والرملية المتكررة التي تجتاح البلاد بشكل متزايد خلال السنوات الأخيرة، وفق ما كشف عنه مرصد "العراق الأخضر" في تقرير حديث. 


وتأتي هذه الخسائر الفادحة في وقت يواجه فيه العراق أزمات اقتصادية متعددة، وتحديات بيئية غير مسبوقة نتيجة التغيرات المناخية التي تضرب المنطقة بأكملها.


وأصبح المشهد المتكرر للسماء الصفراء والغبار المتطاير في شوارع بغداد والمدن العراقية الأخرى جزءاً من المعاناة اليومية للمواطنين، الذين باتوا يعانون من أمراض تنفسية مزمنة، وانقطاع متكرر للخدمات، وتأثر سلبي للنشاط الاقتصادي في مختلف القطاعات.


ويأتي العراق في مقدمة الدول الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية على مستوى العالم، إذ تشهد أجواؤه عواصف ترابية متواصلة في غالبية مناطقه، ما يؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطنين، والاقتصاد الوطني، والقطاعات الحيوية كافة.

المتضرر الأكبر

يعتبر قطاع الصحة الأكثر تضرراً من ظاهرة العواصف الترابية، وفق ما أكده تقرير مرصد "العراق الأخضر"، إذ تتحمل وزارة الصحة تكاليف باهظة لعلاج المرضى المصابين بأمراض الجهاز التنفسي، والذين تتزايد أعدادهم بشكل ملحوظ مع كل عاصفة ترابية تضرب البلاد.


وقال الدكتور محمد العبيدي، استشاري أمراض الصدر في أحد مستشفيات بغداد، إن "أقسام الطوارئ في المستشفيات تشهد اكتظاظاً غير مسبوق خلال العواصف الترابية، خاصة من قبل مرضى الربو والحساسية وكبار السن، ما يضع ضغطاً كبيراً على الكوادر الطبية والمستلزمات العلاجية".


وأوضح العبيدي في حديث خاص لتلفزيون "الديرة": أن "العديد من المواطنين باتوا يتجنبون الذهاب إلى المراكز الطبية، ويقتصرون على شراء أجهزة تنفس منزلية، أو الاعتماد على وصفات طبية سابقة، وهو ما قد يشكل خطراً على صحتهم في حال تطور الحالة المرضية".


وبحسب إحصائيات غير رسمية، فإن نسبة حالات الاختناق خلال تعرض البلاد إلى عواصف ترابية تصل إلى آلاف الحالات،  بعضها يحتاج إلى رقود يستمر لأيام عدة في المستشفى وأخرى تتلقى العلاج وتخرج في ذات اليوم.


سائر متفاقمة


لا تقتصر تداعيات العواصف الترابية على القطاع الصحي فحسب، بل تمتد لتشمل قطاعات حيوية أخرى، أبرزها القطاع الزراعي، الذي يعاني من تدمير واسع للمحاصيل الزراعية، وخسائر فادحة في الثروة الحيوانية.


وقال المهندس الزراعي جاسم الخفاجي، مدير أحد مشاريع التنمية الزراعية في محافظة بابل، إن "العواصف الرملية تتسبب بتلف كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية، خاصة في موسمي الربيع والصيف، كما تؤدي إلى جفاف الأراضي الزراعية، وتضرر شبكات الري، وانخفاض إنتاجية الأراضي بنسب تتراوح بين 15 إلى 40%".


وأكد الخفاجي خلال حديث خاص لتلفزيون "الديرة": أن "الثروة الحيوانية تتأثر هي الأخرى بهذه الظاهرة، إذ تصاب الكثير من المواشي بأمراض تنفسية، فضلاً عن تراجع إنتاجها من الحليب واللحوم، ما يكبد المربين خسائر مالية كبيرة".


أما على صعيد البنية التحتية، فقد أوضح المهندس حسام الدليمي، الخبير في شؤون البنية التحتية، أن "العواصف الترابية تتسبب بانسداد شبكات الصرف الصحي نتيجة تراكم الأوحال والنفايات، كما تؤدي إلى تعطل محطات الكهرباء، وتلف الأجهزة الإلكترونية والكهربائية، ما يزيد من الضغط على الشبكة الوطنية للكهرباء، التي تعاني أصلاً من مشاكل مزمنة".


وذكر الدليمي لتلفزيون "الديرة" أن "عمليات تنظيف المنازل والمؤسسات الحكومية والسيارات بعد كل عاصفة ترابية تستهلك كميات هائلة من المياه، في وقت يعاني فيه العراق من أزمة مائية حادة، مما يفاقم من تداعيات هذه الأزمة".


الأزمة تتفاقم


على الرغم من تكرار هذه الظاهرة وتفاقم تداعياتها سنة بعد أخرى، إلا أن الحلول الجذرية لمواجهتها لا تزال غائبة، في ظل غياب استراتيجية وطنية واضحة للتصدي للتغيرات المناخية، وتراجع المساحات الخضراء في عموم البلاد.


وأكد الخبير البيئي لؤي المختار، أن "العراق يواجه أزمة بيئية حقيقية تتطلب تضافر جهود كافة المؤسسات الحكومية والمنظمات المدنية، وتخصيص ميزانيات كافية لتنفيذ مشاريع التشجير وإنشاء الأحزمة الخضراء، خاصة في المحافظات الحدودية، التي تعتبر المصدر الرئيسي للعواصف الترابية".


وذكر المختار في تصريحات صحفية أن "التصحر وتراجع المساحات الزراعية، وجفاف الأنهار والأهوار، وانحسار الغطاء النباتي، والاستخدام المفرط للمياه الجوفية، كلها عوامل ساهمت في تفاقم هذه الظاهرة، التي باتت تهدد الأمن البيئي والغذائي للبلاد".


وفي ختام تقريره، دعا مرصد "العراق الأخضر" الجهات المعنية إلى الإسراع في تنفيذ مشاريع التشجير وإنشاء "الحزام الأخضر"، خاصة في المحافظات الحدودية، كحل جذري لتخفيف تداعيات هذه الظاهرة، كما طالب بتفعيل الاتفاقيات الإقليمية مع دول الجوار للحد من مصادر التلوث العابرة للحدود، وإعطاء الأولوية للملف البيئي في خطط التنمية المستدامة.


ودعا المرصد أيضاً إلى "ضرورة تشديد الرقابة على المشاريع الصناعية، وتطبيق معايير صارمة للحد من انبعاث الغازات الملوثة، وتحسين خدمات النقل العام للتقليل من عوادم السيارات، وتوعية المواطنين بمخاطر هذه الظاهرة وسبل الوقاية منها".