الديرة - خاص
في ظل ما تشهد المنطقة من موجات عاتية وصراعات واضطرابات تهدد بإعادة رسم خريطتها بأكملها، نجح العراق بإبعاد نفسه عن الصراع الدائر واتخاذ الطرق الدبلوماسية الرسمية، طريقا للحوار والتفاهم بين الأطراف المتنازعة.
فبينما تلتهب جبهات القتال في أرجاء المنطقة وتتصاعد حدة المواجهات العسكرية بين القوى الإقليمية والدولية، نجحت بغداد في الحفاظ على موقف متوازن ومسؤول يضع المصلحة الوطنية العراقية ومصلحة الشعب فوق كل الاعتبارات الأخرى.
دبلوماسية ناجحة
لم تكن مهمة إبعاد العراق عن دوامة الصراع الإقليمي بالمهمة السهلة أو البسيطة، خاصة في ظل الضغوط الهائلة التي واجهتها الحكومة العراقية من مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، غير أن الحكومة العراقية تمكنت من تجنيب البلاد آثار التصعيد الإقليمي الخطير بين إيران وإسرائيل، وذلك من خلال انتهاج سياسة دبلوماسية متوازنة ومحسوبة تقوم على أسس راسخة من الحوار البناء والوساطة الفعّالة بدلاً من الانجرار الأعمى إلى دوامة العنف والدمار.
وقد تجلت حكمة هذا النهج في الاعتراف الدولي الواسع بالدور العراقي المتميز، حيث أشاد القائم بالأعمال الأمريكي في بغداد ستيفن فاجن بدور الحكومة العراقية والإجراءات الأمنية المتقنة التي اتخذتها الأجهزة المختصة لحماية السفارات والبعثات الدبلوماسية في العاصمة بغداد ومختلف المحافظات العراقية.
وفي السياق ذاته استقبل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق محمد الحسان، وناقشا التطورات الإقليمية المتسارعة والملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك. وقد أكد السوداني خلال هذا اللقاء على الأهمية البالغة لتثبيت وقف إطلاق النار والعمل الجاد والمتواصل على ضمان استدامة الاستقرار والسلم في المنطقة بأسرها.
كما شدد على ضرورة تضافر الجهود الإقليمية والدولية لوقف دوامة العنف المدمرة وتجنب المزيد من الدمار والمعاناة الإنسانية، مؤكداً على الموقف العراقي الثابت بضرورة وقف العدوان على قطاع غزة والسماح الفوري بإيصال المساعدات الإنسانية الحيوية إلى الفلسطينيين المحاصرين في القطاع.
حراك مكثف
كشفت مصادر حكومية مطلعة ة عن الجهود الدبلوماسية الاستثنائية التي قام بها السوداني، والتي تمثلت في إجراء اتصالات مكثفة ومتواصلة مع قادة الدول العربية الشقيقة وعدد كبير من السفراء الأوروبيين والدبلوماسيين الدوليين، وذلك بهدف واضح ومحدد هو إبعاد العراق تماماً عن دخول الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران.
وقالت المصادر لتلفزيون "الديرة"، إن "الجهود الدبلوماسية المتواصلة أثمرت عن نجاح ملحوظ ومؤثر في عزل العراق عن التطورات العسكرية الخطيرة والمتصاعدة في المنطقة، مما وفر للشعب العراقي الحماية اللازمة من ويلات حرب كانت ستكون مدمرة ومكلفة على جميع الصعد".
وفي هذا السياق، أوضح عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية مختار الموسوي أن "الحكومة تمكنت مرة أخرى من أن يكون العراق بعيداً عن الحرب ويتخذ موقفاً واضحاً وحازماً ضد الصراعات مع لجوء صريح وواضح إلى الحلول السلمية والمفاوضات البناءة، وهذا الأمر المهم جنّب العراق والشعب العراقي أضراراً جسيمة وكبيرة كادت أن تؤدي إلى اندلاع حرب شاملة في المنطقة".
وأضاف الموسوي بأن "الموقف العراقي كان رسمياً وعلنياً ومعلناً للجميع، حيث حافظت الحكومة بحكمة بالغة على علاقاتها المتوازنة مع جميع الأطراف الإقليمية والدولية دون أن تسمح لنفسها بأن تكون جزءاً من الحرب بشكل مباشر أو غير مباشر"، لافتا إلى أن "الأهم من ذلك أن الحكومة العراقية قادت حراكاً دبلوماسياً حكيماً ومتوازناً في ملف التهدئة ووقف الحرب".
وقد أكدت المصادر الحكومية أن "هذا النهج الدبلوماسي لم يكن مجرد ردود أفعال عشوائية، بل كان استراتيجية محكمة ومدروسة تقوم على فهم عميق لطبيعة الصراعات الإقليمية ومتطلبات الحفاظ على المصالح الوطنية العراقية في ظل بيئة إقليمية معقدة ومتقلبة".
تنسيق محلي
وفي إطار الجهود الشاملة لضمان الاستقرار الداخلي ومنع أي تصعيد قد يجر العراق إلى الصراع الإقليمي، أكدت مصدر أمني مطلع، أن الفصائل العراقية المسلحة اتخذت بالتنسيق الكامل والمباشر مع الحكومة المركزية قراراً استراتيجياً مهماً بعدم التصعيد أو القيام بأي عمليات عسكرية، وذلك في حال عدم دخول أطراف دولية أخرى للصراع لمساندة إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها الغربيون.
وقال المصدر في حديث خص به تلفزيون "الديرة"، إن "هذا التنسيق الداخلي الفعال في تعزيز الاستقرار الداخلي ومنع أي محاولات لاستغلال الأوضاع الإقليمية المتوترة لإثارة الفوضى داخل البلد، مما وفر البيئة المناسبة للحكومة لمواصلة جهودها الدبلوماسية دون قلق من الجبهة الداخلية".
من جهة أخرى، نقل الممثل الأممي محمد الحسان في لقائه مع رئيس الحكومة شكر وامتنان الأمين العام للأمم المتحدة العميق للدور المتميز والمؤثر الذي لعبته الحكومة العراقية، وللسياسة الحكيمة والمتوازنة التي انتهجها رئيس الوزراء والتي نجحت في تجنيب العراق آثار التصعيد الخطير، مشيداً بمساهمة العراق الدائمة والفعّالة في دعم فرض الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأكد الممثل الأممي أن "الأمم المتحدة وهيئاتها المختصة، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي، تعمل بجدية ومثابرة على تثبيت وقف إطلاق النار في المنطقة وإيصال المساعدات الإنسانية الحيوية إلى أهالي غزة المحاصرين"، مشيراً إلى أن "الموقف العراقي المتوازن يساهم بشكل كبير في تسهيل هذه المهام الإنسانية النبيلة".