الديرة - متابعة
في ليلة يخيّم عليها الصمت وتغيب عنها البيانات الرسمية، شهدت سماء مدينتي أربيل وكركوك تحركات مريبة لطائرات مسيّرة خلال الأيام الماضية، تزامنت مع دوي انفجارات مجهولة المصدر، دون أن تصدر أي جهة رسمية تفسيراً أو توضيحاً، ما أثار موجة من التساؤلات والتكهنات في الشارع العراقي، وفتح الباب أمام سيناريوهات معقدة عن طبيعة الجهة المنفذة وأهدافها.
في ظل هذا الغموض، ناشد رئيس الكتلة التركمانية النيابية أرشد الصالحي بفتح تحقيق عاجل، واصفاً ما جرى في مطار كركوك المدني والعسكري بأنه “نذير خطير لحجم الخرق الأمني”.
الصالحي أبدى قلقه من عجز الرادارات في المطار العسكري عن كشف مواقع انطلاق هذه المسيرات، قائلاً: “الأخطر أن لا أحد يعلم من أين تنطلق ولماذا لا تُكتشف”، مضيفاً أن هذا يمثل مؤشراً مقلقاً ويستدعي محاسبة فورية للمقصرين.
صمت رسمي وأسئلة معلقة
ورغم تصاعد المخاوف، التزم المسؤولون العراقيون والكرد، إلى جانب الخبراء الأمنيين والعسكريين، بصمت مطبق، دون توضيح رسمي أو إحاطة إعلامية، وهو ما زاد المشهد تعقيداً، ورفع منسوب التساؤلات:
هل نحن أمام عمليات داخلية أم خارجية؟
وإذا كانت داخلية، فهل تقف وراءها فصائل مسلحة عراقية تتبارى في استعراض القوة، أم أن هناك أطرافاً كردية لها حسابات خاصة داخل الإقليم؟
أما إذا كانت العمليات خارجية، فهل نحن أمام طائرات أميركية أو إسرائيلية تستهدف فصائل موالية لإيران؟ أم أن إيران ذاتها تستخدم سماء العراق لتصفية حساباتها؟
حرب الظل مستمرة
المشهد لا يبدو منعزلاً عن ما جرى قبل مدة في قاعدة التاجي شمال بغداد، حين تعرضت لهجمات مشابهة، ما يرجح فرضية وجود تصعيد ضمن ما يُعرف بـ”حرب الظل” بين فصائل مدعومة إيرانياً وقوى دولية، تجري فصولها في سماء العراق وداخل حدوده دون إعلان رسمي أو وضوح.
صمت يشي بسر؟
امتناع الحكومة، ومعها الجهات الأمنية، عن تقديم تفسير، وامتناع المحللين والخبراء عن الإدلاء بأي رأي، أثار تساؤلاً إضافياً: هل هناك ما لا يُراد له أن يُقال؟
هل نحن أمام سرّ ثقيل تتجنب الدولة الخوض فيه؟ أم أن السلطات الرسمية تفتقر للمعلومة أصلاً، ما يعني أننا أمام فراغ استخباري وأمني كبير؟
الخطورة الحقيقية في هذا النوع من العمليات ليست في الانفجار بحد ذاته، بل في الغموض الذي يحيط به.
حين تسقط مسيرة على مطار مدني – عسكري في كركوك، دون أن يُعرف من أطلقها أو من رصدها، فإن المسألة تتجاوز مجرد اختراق أمني، وتصل إلى حدود تهديد كيان الدولة، هذا ما يتفق عليه الجميع.
وقبل ثلاثة أيام، شهدت مدينتا كركوك وبيجي ليلة استثنائية تخللتها هجمات غامضة بطائرات مسيرة وصواريخ، في تصعيد أمني جديد يثير تساؤلات حول الجهة التي تقف وراء هذه العمليات، والتي استهدفت مواقع حيوية في البلد.
وفي ساعة متأخرة من مساء الاثنين، تعرض مطار كركوك الدولي لهجوم بثلاثة صواريخ من نوع كاتيوشا محلية الصنع، اثنان من هذه الصواريخ سقطا في القسم العسكري من المطار، مما أدى إلى إصابة عنصرين أمنيين بجروح طفيفة، بينما سقط الثالث على منزل في حي العروبة بمدينة كركوك دون تسجيل خسائر بشرية.
وأكد مصدر أمني رفيع لوكالة فرانس برس أن أحد الصواريخ انفجر داخل الجانب العسكري من المطار، فيما لم ينفجر الثاني، ولم تتبن أي جهة مسؤولية الهجوم حتى لحظة إعداد هذا التقرير.
وتضم المنطقة المستهدفة داخل المطار مقارًا لقوات الجيش العراقي والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي، مما يعزز الشكوك حول طبيعة الجهة المنفذة وخلفيات الهجوم.
من جهتها، أكدت إدارة مطار كركوك الدولي في بيان أصدرته فجر الثلاثاء الماضي، أن جميع منشآت المطار، بما في ذلك المدرج المدني والمرافق التشغيلية، لم تتعرض لأي أضرار أو تعطيل، وأن جدول الرحلات مستمر بشكل طبيعي دون أي تأخير.
وفي تطور متزامن، كشف قائممقام قضاء بيجي في محافظة صلاح الدين، عادل الدج، عن تعرض مصفى بيجي النفطي لهجوم جوي عنيف نفذته أكثر من 10 طائرات مسيرة فجر الثلاثاء.
وأوضح الدج في بيان رسمي أن القوات الأمنية والفرق الفنية المختصة تمكنت من احتواء الموقف بسرعة، ولم تسجل أي إصابات بشرية.
وأكد أن التحقيقات جارية للكشف عن الجهة التي تقف خلف الهجوم، في وقت تتصاعد فيه الدعوات لتعزيز إجراءات الحماية للمنشآت الحيوية في عموم المنطقة.