آخر الأخبار


​"الديرة" يفتح ملف طباعة المناهج الدراسية.. كيف باع مثنى السامرائي نفسه للدولة مرتين؟

  • A+
  • A-

 الديرة -  خاص

يكشف ملف طباعة المناهج الدراسية في العراق عن سلسلة من المخالفات والصفقات المشبوهة التي استنزفت مليارات الدنانير على حساب الطلبة والمناهج الدراسية. 


وفي صدارة هذه الملفات تأتي قضية شراء وزارة التربية لمطبعة تابعة لرئيس تحالف العزم، مثنى السامرائي خلال فترة الوزير الأسبق محمد إقبال، بأكثر من خمسة أضعاف قيمتها الحقيقية.

صفقة مطبعة دار النهرين ليست مجرد قضية فساد عادية، بل قصة كاملة عن كيفية تحويل مؤسسة حكومية إلى إمبراطورية خاصة، حيث تصل حصة السمرائي فيها إلى 96% من الأرباح بينما تكتفي الدولة بـ 4% فقط من مشروع مولته بالكامل من جيوب المواطنين.


هذه القصة المثيرة، التي طواها النسيان لسنوات، تكشف عن شبكة معقدة من المصالح والعلاقات السياسية، حيث استُغل النفوذ لتحويل مليارات الدنانير من الخزينة العامة إلى حسابات خاصة، وحيث تم بيع أراضي للدولة بأسعار مضاعفة، ثم إعادة استئجارها بعقود مجحفة.


"تلفزيون الديرة"، في إطار التزامه بكشف ملفات الفساد وحماية المال العام، سيعتكف خلال الأسابيع المقبلة على نشر سلسلة شاملة من التقارير التحقيقية التي ستفكك هذا اللغز المعقد، وتكشف تفاصيل الفساد الكبير الذي ترتب على هذه الصفقة المشبوهة. 

"السلفة المشبوهة"


في عام 2015، وخلال فترة وزارة محمد إقبال الصيدلي، تم صرف سلفة بمبلغ 130 مليار دينار عراقي لإعادة تأهيل دار النهرين للطباعة، وهي شركة حكومية متخصصة في طباعة الكتب المدرسية، هذا المبلغ الضخم لم يكن مجرد استثمار حكومي عادي، بل كان الخطوة الأولى في مخطط معقد للسيطرة على أحد أهم القطاعات في الوزارة.


وفقاً لتقارير ديوان الرقابة المالية، فإن هذه السلفة تم صرفها دون اتباع الإجراءات القانونية المطلوبة، وبشكل يثير الشكوك حول الدوافع الحقيقية وراءها، الأمر الأكثر إثارة للجدل أن هذا المبلغ الهائل تم توجيهه لتأهيل مطبعة كانت تحتاج لاستثمارات أقل بكثير، مما يشير إلى وجود مغالاة مقصودة في التكاليف.


الوثائق الرسمية تشير إلى أن عملية التحايل بدأت من هذه النقطة، حيث تم استغلال حاجة المطبعة للتطوير كغطاء لضخ أموال طائلة في مشروع سيصبح لاحقاً مصدر ثراء لجهة معينة على حساب المال العام.

صفقة الأراضي


الفصل الثاني من هذه الصفقة المعقدة تمثل في عملية شراء أراضي من مثنى السامرائي، رجل الأعمال المتنفذ في قطاع الطباع، حيث قامت وزارة التربية في حينها بشراء أراضٍ تقع في منطقة البتاويين وسط بغداد بمبلغ مليونين و500 ألف دينار للمتر المربع الواحد، وهو سعر يفوق الأسعار الحقيقية بأضعاف كثيرة.


هذه العملية لم تكن مجرد صفقة عقارية عادية، بل كانت جزءاً من استراتيجية أكبر للسيطرة على المطبعة. السامرائي، الذي كان يملك نفوذاً واسعاً في الشركة العامة للمستلزمات المدرسية، استطاع أن يقنع المسؤولين في الوزارة بشراء هذه الأراضي بأسعار مبالغ فيها، مستغلاً علاقاته السياسية وموقعه النيابي.


الأمر الأكثر فضائحية أن هذه الأراضي نفسها، والتي اشترتها الدولة بأموال المواطنين، ستصبح لاحقاً محور عقد مشاركة جديد سيحول السامرائي إلى الشريك الأكبر في المشروع، في صفقة تحكي قصة كاملة عن كيفية تحويل المال العام إلى ثروات خاصة.

عقد المشاركة المجحف


الخطوة الأخيرة والأكثر إثارة للجدل جاءت بعد أشهر قليلة من شراء الأراضي، حين عاد السامرائي ليدخل في عقد مشاركة مع وزارة التربية لمدة خمس سنوات، هذا العقد، الذي وثقته تقارير ديوان الرقابة المالية، منح السامرائي نسبة 96% من العوائد، بينما حصلت الدولة على 4% فقط.


هذا التوزيع المجحف للأرباح يعني أن الدولة العراقية، التي استثمرت 130 مليار دينار في إعادة التأهيل واشترت الأراضي بأسعار مضاعفة، حصلت على أقل من عشرين العوائد، في المقابل، حصل السامرائي على الحصة الأكبر من مشروع بناه المال العام من الألف إلى الياء.


الوثائق تكشف أن هذا العقد تم بنفس الأراضي والتجهيزات التي باعها السامرائي للوزارة، مما يعني أنه باع أصوله للدولة بأسعار مضاعفة، ثم عاد ليديرها ويحصل على معظم أرباحها، هذا النموذج يجسد أسوأ صور الفساد المؤسسي، حيث يتم استغلال النفوذ السياسي لتحويل المؤسسات الحكومية إلى مشاريع خاصة مربحة.


التقارير الرسمية تؤكد أن هذه الصفقة استمرت لسنوات، وأن السامرائي تمكن من جني مليارات الدنانير من خلالها، بينما بقيت الدولة تحصل على نسبة ضئيلة من مشروع مولته بالكامل من المال العام.