آخر الأخبار


​"الأخطبوط الأسود".. تفاصيل شبكة الفساد التي ابتلعت وزارة التربية

  • A+
  • A-

 الديرة -  خاص

لليوم الثاني على التوالي يعتكف "تلفزيون الديرة" على كشف خيوط واحدة من أكبر عمليات الفساد التي شهدتها البلاد، والتي تمثلت بملف طباعة المناهج المدرسية، حيث سنغوص اليوم في السيرة الغامضة لمثنى عبد الصمد السامرائي، الرجل الذي تمكن من تحويل نفسه من عامل بسيط إلى إمبراطور طباعة الكتب المدرسية في العراق، شخصية محاطة بالأسرار، تمكنت من النجاة من ست مذكرات اعتقال، والهروب خارج العراق، ثم العودة لتصبح "ممول العملية السياسية السنية"، كما وصفه سليم الجبوري رئيس البرلمان الأسبق.


ومن خلال التقصي والبحث في الوثائق الرسمية وشهادات المقربين، بكشف هذا التقرير كيف بنى السامرائي إمبراطوريته المالية على أنقاض المال العام، وكيف استطاع أن يحول كل محنة إلى منحة، وكل اتهام إلى فرصة جديدة للثراء، إنها قصة رجل باع نفسه للدولة مرتين، واستطاع في كلا المرتين أن يحقق أرباحاً خيالية على حساب تعليم أطفال بلد بأكمله.


إمبراطور الطباعة الخفي


وُلد مثنى عبد الصمد السامرائي في عائلة بسيطة، حيث كان والده يعمل عاملاً في دار الحرية للطباعة أيام النظام السابق، هذه البدايات المتواضعة لم تمنع الشاب الطموح من رسم أحلام كبيرة، فتمكن في شبابه من تأسيس مطبعة صغيرة في شارع السعدون، أحد أشهر شوارع بغداد التجارية.


لكن الطموح وحده لم يكن كافياً، فسرعان ما نشبت خلافات حادة مع أخويه غير الشقيقين حول إدارة المطبعة وأرباحها، في مناورة تكشف عن شخصيته المستقبلية، تمكن السامرائي من طرد أخويه من المطبعة والسيطرة عليها بمفرده، في أول عملية "استحواذ" يقوم بها في حياته المهنية.


هذه الحادثة المبكرة تكشف عن نمط سلوكي سيتكرر لاحقاً في تعاملاته التجارية والسياسية، حيث يبدأ بالمشاركة ثم ينتهي بالسيطرة الكاملة، المطبعة الصغيرة في السعدون كانت البذرة الأولى لإمبراطورية ستمتد لاحقاً لتشمل أهم قطاعات الطباعة في الدولة العراقية.


الوثائق المتاحة تشير إلى أن السامرائي أظهر منذ البداية قدرة فائقة على بناء العلاقات وتسخيرها لخدمة مصالحه التجارية، وهي المهارة التي ستصبح أساس نجاحه المستقبلي في اختراق أروقة السلطة والنفوذ.


مرحلة السقوط والصعود 


مع سقوط النظام السابق عام 2003، شهد العراق تغييرات جذرية في بنيته السياسية والاقتصادية، وكان السامرائي من أسرع المستفيدين من هذه التغييرات، أدرك بوقت مبكر أن المرحلة الجديدة تتطلب علاقات مع النخب السياسية الجديدة، فبدأ رحلة طويلة من التقرب من السياسيين السنة والأحزاب المؤثرة.


هذه الجهود أثمرت حصوله على وظيفة في مصرف الوركاء الأهلي، حيث بدأ من المناصب الدنيا وتدرج بسرعة مذهلة حتى وصل إلى منصب مدير فرع المصرف في المنطقة الخضراء، قلب السلطة في العراق الجديد، هذا المنصب الحساس وضعه في قلب الأحداث وأتاح له فرصة ذهبية لبناء علاقات مع المسؤولين الأمريكيين والعراقيين على حد سواء.


وفي خطوة جريئة، تمكن السامرائي من إقناع الأمريكيين بإبرام اتفاق لإيداع أموالهم في المصرف أثناء تواجدهم في العراق، هذا الاتفاق منحه نفوذاً إضافياً ووضعه في موقع استراتيجي مهم، لكنه في الوقت نفسه فتح الباب أمام اتهامات خطيرة.


لم تدم فترة الازدهار طويلاً، فسرعان ما رفعت إدارة المصرف دعاوى قضائية ضده بتهم الفساد والاختلاس، مما أدى إلى إصدار ست مذكرات اعتقال بحقه عام 2005.


الهروب والعودة


عندما ضاقت الأمور بالسامرائي في عام 2005، لم يواجه التهم أو يدافع عن نفسه، بل اختار طريقاً آخر يكشف عن عمق علاقاته السياسية، بمساعدة "سياسي متنفذ"- كما تشير الوثائق دون الكشف عن هويته - تمكن من مغادرة العراق والإقامة في الخارج لمدة تسع سنوات كاملة.


هذه السنوات التسع لم تكن مجرد فترة هروب أو اختباء، بل وسع السامرائي خلالها شبكة نفوذه من خلال الاستثمار في علاقات جديدة مع شخصيات مؤثرة في المنطقة، ولهذا قرر العودة عام 2014، وفور وصوله، تم تعيينه مستشاراً لسليم الجبوري رئيس مجلس النواب آنذاك، وهو منصب يضعه في قلب صنع القرار السياسي في البلاد.


عندما اعترض الأمين العام لمجلس النواب إياد نامق وعدد من النواب السنة على تعيينه، كان رد الجبوري صادماً ومكشوفاً: "السامرائي ممول العملية السياسية السنية في العراق". 


هذا التصريح يكشف عن حجم النفوذ المالي الذي اكتسبه السامرائي خلال سنوات المنفى، والدور الذي أصبح يلعبه في تمويل بعض الأحزاب والشخصيات السياسية.