الديرة - الرمادي
على ضفاف نهر دجلة، وتحديداً عند منطقة الكريعات في بغداد، لا تزال مياه النهر تجري بهدوء يحمل في طياته الكثير من الأسرار، لكنها هذه المرة حملت وجعاً جديداً بعد غرق الشاب حسين السماوي القادم من محافظة المثنى.
حادثة الغرق المأساوية أعادت إلى ذاكرة العراقيين قصصاً قديمة، تمت تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، قد تكون غالبيتها من وحي الخيال، لكنها ظلت عالقة في وجدان المدينة، وفتحت باب الحنين والخوف معاً نحو النهر العتيق الذي كتب الكثير من تاريخ بغداد، واحتفظ بكثير من أسرارها.
النهر الذي لا يبوح بأسراره
يروي علي عيسى، وهو من سكان الكاظمية، ما سمعه من والده قائلاً:
"كان أبي يحدثنا أنه في صغره رأى بيوت اليهود قائمة على حافات النهر، قبل أن تختفي مع تغير مجرى دجلة".
يضيف :"كان يقول إن النهر لا ينسى من مروا بجانبه، لكنه يأخذ ما يريد حين يثور".
أما نجاح كاظم الكعبي فيسترجع ذكريات السبعينيات، حين كانت السباحة في النهر طقساً يومياً لعشاق المغامرة:
"غرق العشرات هنا منذ ذلك الوقت، ولا أنسى الخوف الذي كان يملأني وأنا أرى أصدقائي يسبحون في مياه تخفي ما تحتها".
ويكشف وسام العزاوي عن السبب الذي يجعل هذه المنطقة خطيرة حتى اليوم:
"هناك دهاليز طينية وغرف مغمورة تحت الماء، كانت في الأصل بيوتاً قديمة غمرها النهر عندما غير مجراه، لذلك من يغرق هنا نادراً ما يظهر جثمانه".
الغواص جمال ناجي السوداني، الذي شارك في عمليات البحث عن الغرقى، يؤكد ذلك قائلاً:
"النهر في الكريعات يحوي سراديب وأنفاقاً مائية تجعل العثور على الجثث شبه مستحيل، وكأنها تبتلع إلى الأبد".
مكان مشؤوم
من جهتها، يحكي صفاء الخزعلي عن تجربتها المرعبة مع النهر قائلا:
"كادت أن تكون قصتي الأخيرة، كنت على وشك الغرق لولا لطف الله، المكان مشؤوم فعلاً، فالمياه هناك تخفي شيئاً غامضاً لا يمكن تفسيره".
ويذهب أحد المطلعين إلى أبعد من ذلك في تفسيره لتاريخ المنطقة، مشيراً إلى أن ما يختبئ تحت المياه ربما يحمل آثاراً لبغداد القديمة:
"قد تكون هذه البقايا جزءاً من مقبرة قريش أو من أسوار بغداد العباسية، فالنهر غير مجراه أكثر من مرة عبر القرون".
وتحولت الكريعات، بعد حادثة غرق حسين السماوي، إلى ذاكرة مفتوحة للقصص القديمة.
قصص عن نهر كان شريان حياة لبغداد، ثم صار في بعض أيامه مقبرة صامتة لأبنائها، ومع كل مأساة جديدة، تعود الحكايات لتروى من جديد، لتذكر الجميع أن دجلة ليس مجرد نهر، بل شاهد على التاريخ، ورفيق المدن، وراو لحكايات لا تنتهي.