الديرة - الرمادي
بعد مرور أسابيع على بدء اجتماعات الإطار التنسيقي وتشكيل اللجان القيادية، ما يزال الاتفاق على مرشح لرئاسة الحكومة متعثراً بطريقة تعكس، وفق مراقبين، أزمة بنيوية في آليات اتخاذ القرار، وانهياراً تدريجياً لهيبة المنصب التنفيذي الأهم في الدولة العراقية.
ورغم أن الإطار قدم نفسه بوصفه الكتلة الأكبر القادرة على تشكيل الحكومة المقبلة، فإن فوضى الترشيحات وتضارب المواقف الداخلية، جعلت المشهد أقرب إلى ما يصفه البعض بـ"المهزلة السياسية" التي تهدد قيمة منصب رئيس الوزراء.
وفي خضم هذا الاشتباك السياسي، برزت تصريحات حادة من شخصيات سياسية وأكاديمية، مثل الباحث د. إياد العنبر والناشط مهدي جمال، عبرت عن امتعاض واضح مما اعتبروه "استخفافاً غير مسبوق" بمنصب رئاسة الوزراء، خصوصاً بعد دخول أسماء لا تحمل ثقلاً سياسياً ولا سجلاً إدارياً، مثل المرشح سلام عادل، الذي أثار موجة انتقادات لاذعة داخل الشارع والفضاء السياسي على حد سواء.
انهيار معايير الترشيح
تشكل لجنة الإطار المكلفة بمقابلة المرشحين لرئاسة الوزراء استقبلت وفق مصادر سياسية نحو 15 مرشحاً، لكن ما تسرب منها إلى الرأي العام كان يدور غالباً حول اسمين ثقيلين هما نوري المالكي و محمد شياع السوداني.
ومع ذلك، لم ينجح الإطار في حسم خياره، ما أدى إلى دخول أسماء أخرى إلى دائرة التنافس من دون أي معايير واضحة، الأمر الذي أثار غضب مراقبين اعتبروا أن التعامل مع المنصب بات "مزاجياً".
الباحث السياسي د. إياد العنبر وصف ما يجري بأنه وصل إلى "مرحلة الاستخفاف بالمنصب"، مضيفاً أن تقديم السير الذاتية لأي شخصية ترغب بالترشح "تقزيم لطريقة الاختيار وإهانة للمنصب التنفيذي الأعلى في الدولة".
ودعا المالكي والسوداني إلى "التعالي عن الخلافات وحسم الملف حفاظاً على هيبة الدولة".
وفي السياق ذاته، اعتبر الناشط السياسي مهدي جمال أن الإطار بات يقدم "أسماء لا تحمل أي رصيد سياسي ولا ذاكرة عامة لدى المواطنين، وأن ما يحدث هو انهيار كامل لمعايير الترشيح واحترام الدولة"، مطالباً "بإعادة النظر في الآلية التي تدار بها المنافسة".
المشهد ازداد تعقيداً بعد دخول المرشح سلام عادل الذي أثار جدلاً واسعاً بسبب خطابه الطائفي ومحدودية خبرته، ورغم ذلك بدأ جولة لقاءات مع أبرز قادة الإطار، ما دفع الإعلامي أحمد ملا طلال إلى إطلاق تعليق ساخر تساءل فيه:"هل سيقبل السنة ترشيح حسحس لرئاسة البرلمان؟ وهل سيقبل الكرد ترشيح أبو جيجو لرئاسة الجمهورية؟".
هذا التعليق يعكس حجم السخرية التي باتت ترافق ملف الترشيحات.
فوضى الترشيحات
مع تعثر الإطار في حسم مرشحه، ظهر فجأة اسم سلام عادل الذي أعلن بنفسه تقديم ملف ترشحه إلى عدد من قيادات الإطار، منهم همام حمودي وعمار الحكيم وقيس الخزعلي وأبو الاء الولائي.
خطوة عادل اعتُبرت لدى المراقبين تعبيراً صارخاً عن انهيار الانضباط السياسي داخل الإطار، فيما وصفها آخرون بأنها إهانة للمنصب لعدم امتلاكه أي تجربة تنفيذية أو سياسية.
ويؤكد مراقبون أن توقيت إعلان ترشيحه لم يكن مصادفة، بل نتيجة الفراغ الذي خلقه فشل الإطار في الاتفاق على مرشح قوي، ما فتح الباب أمام محاولات فردية تسعى لاقتناص اللحظة، حتى لو لم تكن مؤهلة.
صراع داخلي مكتوم
نقلاً عن مصادر خاصة لتلفزيون "الديرة"، أكدت أن الإطار التنسيقي يعيش واحدة من أعقد أزماته الداخلية، بعد أن تحولت عملية ترشيح رئيس وزراء جديد إلى ما وصفته المصادر بـ"نكتة سياسية"، أصبحت مادة للتندر في الشارع العراقي.
وقالت المصادر إن "اجتماعات مغلقة عقدت خلال الأيام الماضية شهدت ضغوطاً مباشرة من قادة بارزين مثل عمار الحكيم وهادي العامري وهمام حمودي على كل من السوداني والمالكي لسحب ترشيحهما، بهدف فتح الطريق أمام تسوية جديدة".
وتشير المصادر إلى "وجود قناعة راسخة داخل الإطار مفادها أن تشكيل الحكومة الجديدة لن يمضي ما لم ينسحب السوداني والمالكي من سباق الترشيح، باعتبار أن بقاء اسميهما في الواجهة يغلق أي فرصة للتوافق".
وتضيف أن "وجود السوداني في صدارة المرشحين يعطل أي تفاهم سياسي، لأنه يشكل نقطة خلاف مركزية بين القوى الداعمة للولاية الثانية وبين القوى الرافضة لاستمرار تجربته الحالية، ما يجعل أي تفاوض ينتهي إلى طريق مسدود".
وبحسب المصادر، فإن "بعض قادة الإطار يعتقدون أن استمرار حالة الانسداد الحالية قد تدفع باتجاه القبول بمرشح تسوية مضطرة، إلا أن هذا الخيار يواجه أيضاً معارضة داخلية كبيرة".