الديرة - الرمادي
في اللحظة التي كان يُظن فيها أن الإطار التنسيقي اقترب من حسم اسم رئيس الوزراء، انفجرت الخلافات من جديد وعاد المشهد إلى المربع الأول، إذ أنه لم يعد الصراع مجرد نقاش حول مرشح، بل تحول إلى معركة خفية على الكتلة الأكبر، تدار في غرف مظلمة تتناوب فيها الأوراق والرسائل السرية.
أربعون سيرة ذاتية دخلت إلى لجنة المقابلات، خرج منها تسعة فقط إلى العلن، بينما تسلل مرشح واحد في "كصكوصة" صغيرة توزعت بين جيوب القادة كأنها رسالة مشفرة تغير مسار اللعبة.
وفي ظل هذا الغموض المتصاعد، يرتفع السؤال الذي يخيم على كل الكواليس: من يختار الرئيس؟ ومن يمنح شرعية الحسم في هذه المعركة التي لا تدار على الطاولة بل تحتها؟
سباق داخلي
تظهر المعطيات أن الإطار التنسيقي لم ينجح بعد في فرض رؤية موحدة حول آلية اختيار رئيس الوزراء.
وفي الوقت الذي تؤكد بعض القوى أن العملية تدار بشكل مؤسساتي عبر لجنة رسمية، تشير مصادر سياسية إلى أن الانقسام داخل الإطار عاد إلى المربع الأول، حيث تتنافس قواه الأساسية على تثبيت أحقيتها في الكتلة الأكبر، باعتبارها المفتاح القانوني والسياسي لاختيار رئيس الحكومة المقبلة.
عضو المكتب السياسي لتيار الحكمة الوطني، حسام الحسني، يرى أن "رئيس الوزراء المقبل لن يحكم بمفرده، وأن القوى السياسية ستكون جزءًا من القرار التنفيذي".
ويشير الحسيني إلى أن "لجنة الإطار قابلت 40 مرشحًا لرئاسة الوزراء، من بينهم 6 وجوه شابة قدمت برامج فنية وإدارية لافتة"، مبيناً أن "بعض القوى ومنها قيادات ائتلاف الإعمار والتنمية سعت إلى طمأنة الإطار حول رؤيتها المستقبلية من خلال التواصل مع زعيم التيار الحكمة".
لكن داخل الكواليس، تؤكد مصادر سياسية أن بعض قادة الإطار تلقوا "كصكوصة" تحمل اسم مرشح بعينه، تم تداولها داخل جيوب القيادات، ما تسبب بارتباك إضافي داخل اللجنة، وأعاد فتح السؤال حول مدى استقلالية عملية الاختيار.
مرشح الغموض
وفي الوقت الذي حددت فيه تسعة أسماء لتكون ضمن القائمة النهائية لدراسة توافق الإطار عليها، تزايدت التسريبات التي تؤكد أن رئيس الوزراء المقبل ليس من بين التسعة أصلًا، بل من شخصية احتفظ بها أحد أبرز قادة الإطار الذي يُشار إليه في الأوساط السياسية بـ"شيخ الإطار" داخل دائرة ضيقة من المقربين.
الباحث في الشأن السياسي أبو ميثاق المساري ذهب أبعد من ذلك بالقول إن "الإطار لجأ إلى تشكيل لجنة المقابلات للهروب من إعلان الكتلة الأكبر"، معتبراً أن "ترشيح 40 شخصية ثم اختصارها إلى تسعة هو مجرد غطاء سياسي لإخفاء الانقسام الحقيقي بين الأجنحة المؤثرة".
وأضاف المساري أن "هناك كصكوصات أخرى ظهرت خلال المداولات، في إشارة إلى تدخلات غير رسمية داخل عمليات الترشيح".
من جانبه، أكد عضو ائتلاف الإعمار والتنمية، خالد وليد، أن قراءة مبعوث الرئيس الاميركي في سوريا ولبنان، توم باراك حول عدم قدرة السوداني على تشكيل حكومة لم تكن تتعلق بضعف سلطته التنفيذية، بل بعدد المقاعد التي يمتلكها تياره، مشيراً إلى أن حق الترشيح ينحصر فقط بقوائم دولة القانون والإعمار والتنمية وصادقون، بوصفها القوى التي تملك العدد الكافي لتقديم مرشح وفق الأعراف السياسية داخل الإطار.
كما أكد وليد أن "ائتلافه يمتلك النصف زائد واحد داخل الإطار، لكنه يسعى إلى الإجماع بدلاً من الحسم العددي".
شرعية الحسم
التوتر داخل الإطار لا يبدو مرتبطاً بالمرشحين فقط، بل بالسؤال الأهم: من يمنح الشرعية لاختيار رئيس الوزراء؟
هل هو امتلاك المقاعد؟ أم القوة التفاوضية؟ أم القبول الإقليمي والدولي؟ أم تلك "الأوراق الصغيرة" التي تنتقل بين جيوب القادة وتعيد رسم مسار الترشيحات؟
وفي ظل هذا المشهد المعقد، تتزايد قناعة مراقبين بأن الإطار بعيد عن الحسم، وأن معركة "الكتلة الأكبر" ستكون مفصلية أكثر من معركة اختيار الرئيس ذاته، ما يجعل الأيام المقبلة حساسة في تحديد الاتجاه النهائي، سواء كان التوافق داخلياً، أو خروج مرشح مفاجئ من خارج القائمة المعلنة.
وبينما يترقب الشارع إعلان الاسم الذي سيحمل مشروع المرحلة المقبلة، تؤكد كل المؤشرات أن الطريق ما زال طويلاً، وأن الحسم سيعتمد في نهاية المطاف على ميزان النفوذ داخل الإطار أكثر من ميزان الأصوات.