الديرة - خاص
أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن القوات الأمريكية نفذت انسحاباً مفاجئاً من قاعدتين عسكريتين رئيسيتين في ريف دير الزور الشرقي، ضمن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
حيث أكدت مصادر المرصد أن "العملية بدأت تدريجياً في 18 أيار الماضي ثم تسارعت خلال الساعات الأخيرة"، مشيرة إلى أن "أرتالاً عسكرية أمريكية شوهدت وهي تغادر حقل العمر النفطي الذي يُعتبر أكبر قاعدة أمريكية في سوريا، ومعمل كونيكو للغاز، وسط تحليق مكثف لطائرات التحالف الدولي".
وأوضح المرصد أن "القاعدتين تعرّضتا خلال العامين الماضيين لسلسلة هجمات صاروخية وطائرات مسيرة، خصوصاً بعد تصاعد التوتر الإقليمي منذ حرب غزة في تشرين الأول 2023.
فيما بين أنه فور الانسحاب تمركزت وحدات الكوماندوس التابعة لقسد في المواقع التي أخلتها القوات الأمريكية، مؤكداً "استمرار التعاون العسكري بين الجانبين في عمليات مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، مع دعم لوجستي وجوي من قاعدة الشدادي في الحسكة".
من جانبه، كشف مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" عن سحب 500 جندي أمريكي من سوريا وإغلاق قاعدتين على الأقل خلال الأسابيع القليلة الماضية، مشدداً على أن إعادة الانتشار تتم "بطريقة آمنة ومدروسة"، كما أشار المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا توماس باراك إلى توجه لتقليص القواعد العسكرية الأمريكية من 8 قواعد إلى "قاعدة واحدة فقط"، قائلاً خلال مقابلة: "سياساتنا الحالية تجاه سوريا لن تشبه سياسات المئة عام الماضية لأن تلك السياسات لم تنجح".
بدوره قال المختص بشؤون شرق سوريا الصحفي أيهم مرعي في تصريح خص به تلفزيون"الديرة"، أن"ما تم إخلاؤه حتى الآن هي ثلاث قواعد: قاعدة الفرات (معمل غاز كونيكو)، وقرية الخضراء المجاورة لحقل العمر، وقاعدة صغيرة قرب الباغوز، حيث بلغ عدد الجنود المسحوبين ما بين 300 إلى 500 جندي".
وأضاف، أن"هذا الانسحاب أُعلن عنه منذ نحو شهرين، لكن التنفيذ العملي بدأ أمس الثلاثاء مع الإعلان الرسمي من الإعلام الأمريكية، ومن المرجح أن يستمر التقليص خلال الشهرين المقبلين، حيث من المتوقع انخفاض عدد الجنود الأمريكيين من 2000 جندي إلى 1000 بحلول شهر تموز أو آب المقبل".
وتابع، أن "هناك انقسام واضح في واشنطن، فالمؤسسة العسكرية (البنتاغون) ترفض الانسحاب بسبب إدراكها أن الوضع في سوريا غير مستقر، وهي الفترة الأكثر حاجةً لوجود قوات قادرة على محاربة داعش، لكن القرار السياسي فُرض عليها، حيث شهدنا حتى الأسبوع الماضي تدريبات عسكرية في حقل العمر، مما يعكس عدم رغبة عسكرية في الانسحاب".
وأكد أن "قسد دخلت القواعد المنسحبة عبر قوات الكوماندوس المدربة أمريكياً، بأعداد تفوق تلك التي انسحبت، لتنفيذ مهام التحالف في المنطقة"، مشيراً إلى أن "الانسحاب ليس ضغطاً على قسد، بل استجابة لضغوط تركية وخليجية، خاصة بعد زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة".
وختم بالقول: "خلال الأشهر الستة المقبلة، سيلعب المبعوث باراك دوراً محورياً في تحقيق تقارب بين دمشق وقسد لإرساء حالة عدم حرب، حيث ستستخدم أمريكا ورقة البقاء أو الانسحاب كضغط على الطرفين لضمان استقرار يخدم انسحابها الآمن".
وفي نفس السياق أوضح الخبير المتخصص في شؤون الشرق الأوسط الدكتور بهاء حلّال في تصريح لتلفزيون "الديرة"، أنه "في ظل الأوضاع المتغيرة، يزداد القلق إزاء انسحاب القوات الأمريكية من سوريا وتأثيره على استقرار العراق، حيث أن نقل تلك القوات إلى العراق ليس مجرد إعادة انتشار، بل تعزيز للوجود العسكري الأمريكي الطويل الأمد هناك".
وأشار إلى أن "هذا التحول في الاستراتيجية الأمريكية يثير تساؤلات حول نوايا واشنطن، ويزيد من قلق العراقيين الساعين للاستقرار بعيداً عن التدخلات الخارجية، خاصة في ظل التحديات السياسية والأمنية التي يواجهونها".
وحذر قائلاً، إن"انسحاب القوات الأمريكية من سوريا سيكون له تداعيات على الأمن في العراق، خصوصاً مع زيادة نشاط خلايا داعش في المناطق الحدودية والقلق من هجمات محتملة، كما أن توقيت الانسحاب يثير المخاوف".
وختم، أن"واشنطن تتخذ قراراتها بمصالح استراتيجية براغماتية، والمنطقة قد تدفع ثمن تحولات قد تعيد المواجهات العسكرية في حال تفجرت فوضى في شمال شرق سوريا".
يأتي الانسحاب في سياق الضغوط التركية المستمرة على واشنطن لإجبار قسد على نزع السلاح والتفاوض مع دمشق، فيما تُظهر أمريكا استعداداً لاستخدام ورقة "خطر داعش" كأداة ضغط على الأطراف، هذا التحوّل يضع قسد أمام مفترق طرق: إما التفاوض تحت سيف التهديد التركي وتراجع الدعم الأمريكي المباشر، أو مواجهة أخطار أمنية في فراغ قد يُعيد إشعال بؤر التوتر على الحدود السورية-العراقية، بينما تبقى المنطقة معلقة بين مطرقة الانسحاب الأمريكي وسندان التصعيدات الإقليمية غير المحسوبة.